وكيل الأزهر يفتتح المؤتمر الدولي الخامس لكلية الإعلام بجامعة الأزهر
تريزة شنودة:
قال فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إني لتغمرني سعادة بالغة لوجودي في المؤتمر العلمي الدولي الخامس لكلية الإعلام بجامعة الأزهر، والذي يعقد تحت عنوان «الإعلام الرقمي وإدارة الأزمات» هذا المحفل العلمي الذي يؤكد يقظة الأزهر ورجاله، ووعيهم بالواقع وما يدور فيه، وإدراكهم لواجبهم تجاه وطنهم وأمتهم، مؤكدا أن هذا المؤتمر يثبت أن كلية الإعلام بجامعة الأزهر متفاعلة ومواكبة لما يجري في الساحة من حراك اجتماعي ووطني وإعلامي وديني.
وأضاف وكيل الأزهر أنه إذا كان عنوان المؤتمر يدور حول «الإعلام الرقمي وإدارة الأزمات» فإن فيه إشارة إلى قوة العلاقة بين الإعلام بأنواعه وإدارة الأزمات المعاصرة، وإن أزمات العالم اليوم لم يخل منها مجال من مجالات الحياة: سياسة واقتصادا واجتماعا وثقافة، والتي أثرت في حياة الإنسان، فقد أصبح من المعروف أن التحدي الكبير الذي تواجهه الدول يتحدد بسلسلة من الأزمات التي تختلف في طبيعتها وأثرها، والتي تؤدي إلى خلق صعوبات ومشكلات وتهدد العقائد والقيم والأخلاقيات، والأموال والممتلكات؛ لذا فإن مواجهة الأزمات والوعي بها أمر ضروري لتفادي المزيد من الخسائر المادية والمعنوية.
وتابع الدكتور الضويني أن الإسلام وضع منهاجا لعلاج الأزمات ومواجهة المحن، سار على هديه قادة الأمة على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان، لم تضعف الأمة، ولم تتكالب عليها الأمم إلا حين تخلت عن ذلك المنهج، يقول الله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}، وقد شرع لنا الإسلام مبادئ عظيمة في مواجهة الأزمات والنوازل، هذه المبادئ التي توفر الحماية للفقير والمحتاج، فهي حصن الأمان لكل الأفراد والمجتمعات، والملاذ الآمن لكل ذي حاجة، تلك المبادئ التي لا تفرق بين أبناء الوطن، بل تشمل كل شخص يقيم في المجتمع أيا كان دينه أو معتقده.
وبيّن وكيل الأزهر أن الإسلام قد أرسى هذه المبادئ العظيمة بهدف ترسيخ قيم التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع الواحد، لتعزيز أواصر الترابط بينهم، وغرس معاني الود والتآلف فيما بينهم، ولا يخفى علينا أن التطورات التكنولوجية أحدثت نقلة نوعية وثورة هائلة في عالم الاتصال مست كافة مجالات الحياة، مما أدى إلي إحداث تغيير جذري في أساليب نقل وتوزيع المعلومات وبات المتلقي فيها منتجا ومرسلا ومستقبلا في نفس الوقت، وهو ما يطلق عليه الإعلام الرقمي، والذي ألغى كل الحدود الزمانية والجغرافية، وفتح المجال واسعا أمام حرية الرأي والتعبير، وتجاوز عصر الاحتكار والهيمنة على المعلومة، ومن أبرز مظاهر الإعلام الجديد الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح فضيلته أن نظرة متأنية لواقع الإعلام الرقمي اليوم يدرك أن هناك تفاوتا كبيرا في تناول الإعلام للحراك المجتمعي، وأن هذا التناول يؤثر بشكل كبير على القيم والمبادئ والأخلاق، ولا يخفى علينا أن أفكارا وخططا ومؤامرات تحاول النيل من قيمنا وأخلاقنا، وأن هذه الأخلاق والقيم ركيزة أساسية داخل كل مجتمع؛ إذ أنها تلعب دورا كبيرا في تماسك المجتمع وتدفعه للتقدم والرقي، من خلال خلق مجموعة من القوانين والنظم والسمات الفكرية والمادية التي تميز مجتمعا ما عن غيره، وتحدد نمط معيشته، خصوصا إذا كانت هذه القيم إيجابية.
ولفت وكيل الأزهر أنه بهذه الصورة يمكن القول أن وسائل الإعلام تلعب دورا أساسيا وجوهريا في تشكيل القيم الاجتماعية أو تغييرها، خاصة مع تسارع وتيرة الحياة، ووتيرة الاتصال الذي يواكب عصر ثورة المعلومات وتكنولوجيا الإنترنت، وإذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تطورا طبيعيا لتكنولوجيا الاتصال، قد أتاحت الفرصة أمام كل شرائح المجتمع لنقل أفكارهم والتعبير عن آرائهم عبر شاشات الكمبيوتر وشاشات الهواتف المحمولة لمناقشة مختلف القضايا السياسية، والثقافية والاجتماعية، فإنها بهذه السهولة والإتاحة صارت تسهم بقوة في خلق الرأي العام وتوجيهه وترسيخ قيم النظام الاجتماعي، وأدت بالفرد إلى تغيير نمط معيشته وسلوكه في العادات والتقاليد أو طرق التفكير والحوار، وأصبح يعيش في بيئة جديدة وعالم مفتوح تحت ظل العصرنة والتقدم.
ودعا وكيل الأزهر إلى ضرورة استثمار الجانب الإيجابي من التطور الرقمي وخاصة الإعلامي منه، وذلك لأن وسائل الإعلام تلعب دورا كبيرا في وقت الأزمات على مختلف أنواعها وتعدد مجالاتها ومستوياتها؛ حيث يستطيع الإعلام أن يعالج الأزمة ويتناولها بصورة موضوعية تأخذ في الحسبان أبعادها المختلفة سعيا للحل بما يؤدي إلى انتهائها وتجاوزها في أسرع وقت ممكن، وفي المقابل يستطيع الإعلام – عبر بعض الممارسات الخاطئة- أن يزيد من حالة التوتر والاحتقان بين أطراف الأزمة؛ وبالتالي استمرار الأزمة وتفاقم المشكلات الناتجة عنها، ما يعني عندنا أن هناك فرقا بين إعلام يعالج الأزمة وإعلام آخر يدفع في اتجاه استمرار الأزمة وتغذيتها.
وأكد الدكتور الضويني أن وسائل الإعلام تؤدي دورا محوريا في تكوين الاتجاهات والميول، وتؤثر في عملية اكتساب الجمهور للمعارف والمعلومات خاصة وقت الأزمات؛ حيث تزداد درجة اعتماد الجمهور على هذه الوسائل في ظل حالات عدم الاستقرار والصراع وانتشار أحداث العنف والإرهاب؛ فالإعلام الرقمي اليوم بات أحد أسلحة العصر في تغطية وإدارة الأزمات ومواجهتها، نظرا لما يتوفر له من قدرات هائلة تتمثل في انتقاله بسرعة فائقة وقدرته على التأثير النفسي على الأفراد والسيطرة الفكرية والإقناع للجمهور والتحكم في سلوكياتهم وتوجهاتهم.
وشدد فضيلته على أنه لا يمكن أن ننكر أن هناك تأثيرا متبادلا بين الإعلام الرقمي والأزمة حيث تؤدي ظروف الأزمة الى تزايد أهمية الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام خصوصا في تقديم المعلومات، وشرح أهمية ومغزى الأحداث، حيث تسهم في تخفيف التوتر والقلق، وذلك من خلال مواثيق الشرف الإعلامي المتعددة، والتي توجب بنودها على الإعلام: «أن يعمل على تأكيد القيم الدينية والأخلاقية الثابتة، والمثل العليا المتراكمة في التراث البشري، وأن ينشد الحقيقة المجردة في خدمة الحق والخير، ويسعى إلى شد الأواصر، وتعميق التفاهم والتفاعل والتبادل، ماديا ومعنويا، في المجتمع العربي والدولي».
واختتم وكيل الأزهر كلمته بالجلسة الافتتاحية بمناشدة صناع الإعلام ومتخصصيه، بالإسراع في وضع رؤية مستقبلية للإعلام الرقمي يستثمر فيها فكرنا الإسلامي استثمارا يحمي المجتمع من الأفكار المتطرفة التي تحاول النيل منه، وتوجد خطابا إعلاميا متجددا يعمل على نشر القيم الإسلامية، وتأكيد الهوية المصرية والعربية، ويعمل على مساندة وتعزيز جهود الدولة من أجل التنمية والاستقرار، وتوجيهه الوجهة الصحيحة.