القس رفعت فكري يكتب :الأصولية الدينية وخطاب الكراهية
رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بسنودس النيل الإنجيلي يكتب :الأصولية الدينية وخطاب الكراهية!
إن خطاب الكراهية موجود طوال التاريخ الإنساني والعالم مليء بخطابات الكراهية كما أن جماعات الإسلام السياسي رفضت ثقافة ألفة القلوب وساهمت في نشر خطاب الكراهية من خلال ثقافة الاستعلاء ورفض الآخر
وحرصا على السلام الاجتماعي لابد من احترام الآخر الديني المغاير واحترام مقدساته فالفضاء الإلكتروني رغم إيجابياته الكثيرة إلا أن خطابات الكراهية زادت من خلاله لذا يجب على المؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية والتعليمية أن تقوم بدور إيجابي في نشر قيم التسامح وليعلم المتطرفون أن الحروب الدينية اندلعت بسبب خطابات الكراهية.
ولا يمكن لمنصف أن ينكر أن الإخوان المسلمين وكل التنظيمات الأصولية التي تؤمن بالمطلقات ساهمت في نشر وازدياد خطاب الكراهية لذلك فإن هناك حتمية لتجديد الفكر الديني كما أنه من الضروري أن نتصدى بقوة لخطابات الكراهية فالخطاب الديني يجب أن يخلو من السخرية والهزء من معتقدات وإيمانيات الآخرين، فلايجوز لأحد أن يهزأ من معتقدات وإيمانيات الآخرين المغايرين له، فالعاقل هو الذي يقبل ويقر عقلانياً ومنطقياً بوجود عقائد أخرى، وهو قد يرى أن معتقداته هي الأفضل، وهو يعتز بها للغاية، ولكنه لايرى أبداً أن أصحاب العقائد الأخرى أشخاص مشبوهون أو كافرون أو مهرطقون، بل إنه استناداً على العقل يراهم أصحاب اختيار آخر يختلف معه في الكثير ويتفق معه في الكثير، وهذا التفكير العقلاني يستند على التسامح الفكري وقبول الآخر المغاير واحترام معتقداته دون استهزاء أو تجريح أو تكفير .
إن الله لا يهتم كثيراً بالذبائح والقرابين ولكنه يهتم بالعلاقة مع الإنسان الآخر، إن شريعة الله هي: أن أحب أخي في الإنسانية قبل كل فروض الصلاة والصوم والقرابين، فما قيمة الصلوات والأصوام والطقوس وكل مظاهر العبادة إن لم تكن هناك محبة حقيقية للإنسان الآخر؟ فهناك فرق شاسع بين التدين والإيمان الحقيقي، فالتدين كثيراً ما يركز على المظاهر الخارجية وهي أمور جميلة وهامة بينما الإيمان الحقيقي هو موقف أخلاقي يقدس القيم ويحترم الإنسان الآخر أياً كان لونه أو دينه أو مذهبه، فما أسهل التعبد لله ورفع الصلوات والأصوام ولكن ما أصعب التسامح وقبول الآخر المغاير، إن الله سبحانه يريد أن يعيش البشر أسرة واحدة تربطهم رابطة المحبة، لذا فهو سبحانه لا يقبل عبادة مزيفة من قلب ممتلئ بالكراهية والتطرف والأنانية، إن العبادة الحقيقية التي تسر قلب الله هي التي تمر عبر الإنسان الآخر من خلال محبته وخدمته.
إن المؤمنين الحقيقيين بالله والذين يعبدونه بحق من المحتم أن تمتلئ قلوبهم بالمحبة لشخصه وللآخرين على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم لأن المحبة من الله، ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة، وإذا كان الله قد أحب خليقته كل هذا الحب فعلى من يعبدون الودود أن يحبوا بعضهم بعضاً، وإذا قال أحد: ( إني أحب الله ) وهو يبغض أخاه كان كاذباً لأن الذي لا يحب أخاه وهو يراه لا يستطيع أن يحب الله الذي لايراه.
إن واجبنا أن نلم شملنا، ونستجمع قوانا، ونستدعى شجاعتنا، ونتصدي لخطابات الكراهية ونصرخ في وجهها عالياً بكلمة ” لا ” وحبذا لو دوت مع كل آذان من مآذن المساجد، ومع كل دقة جرس من منارات الكنائس، ومن كل مدرسة وبيت، لتفر هاربة إلى برية التيه والضياع، وتنجو مجتمعاتنا من أذاها وشرورها. على أن نزرع الحب في كل خطاباتنا فبالحب وحده تتجمل الحياة وتصبح فرودوساً جميلاً.
فهل نأمل أن يعلو صوت السلام والوئام على الخصام؟! وأن ينتصر الحب على الحرب؟!!