“ميار مزيد” تكتب لـ” سوا حوار”:رسالة سلام في مواجهة خطاب الكراهية
عادة ما يتم تناول موضوع ثقافة السلام ومحاربة خطاب الكراهية من خلال توجيه رسائل إعلامية بأهمية علاقتنا بالآخر وبأهمية التعايش السلمي جنباً إلى جنب، ولكني أفضل عكس كل ما هو بالخارج على الداخل، إيماناً مني بأن علاقتنا بالآخر تبدأ من علاقتنا بأنفسنا؛ فمن يستطيع أن يعيش في سلام داخلي؛ يستطيع بكل سهولة إنشاء علاقة سلام مع من حوله من البشر، بل مع الحياه بأكملها.
للوهلة الأولى قد تظن أن الحديث يحوي خطابا من خطابات التنمية البشرية، ولكنه أبعد ما يكون عن خطابات معلمي التنمية البشرية، بل هو محاولة للغوص عميقاً في داخلك لإعطاءك بعض اللمحات عن حياة السلام الداخلي لتعرف إذا كنت تعيشه أم لا، وكيف سيُحسن ذلك من علاقتك بالآخر، وبالتالي من العلاقات الاجتماعية والمجتمعات بأكملها على مستوى أكبر وأشمل، فربما تعرف من أين تبدأ.
يمكنني القول بأن السلام الداخلي هو تسليم لإرادة الخالق في خلقه، فهي عقلية ومشاعر تفيد باعترافك بأن للخالق حكمة في خلقك وتصويرك بهذا الشكل، ووضعك في هذه الظروف، وفي هذا المجتمع، ونشاتك كفرد ينتمي لهذه العائلة دوناً عن غيرها، وفي توقيت ولادتك بالذات. هذه الحكمة قد تُدركها الآن أو لاحقاً، أو قد لا تدركها مطلقاً، ويبقى هنا الإيمان والتسليم بأن ليس للصدفة مكان.
هو اعتراف بأن للخالق حكمة في خلق الاختلاف أيا كان نوع وشكل وتعبير هذا الاختلاف، وأياً كان يتوافق مع معتقداتك الشخصية أو لا، فالاختلاف هو ما يحافظ على خلق أحداث الحياه وانسجامها في معزوفة موسيقية متقلبة الفصول، تعبر عن قصص وحكايات تُعاش، فلا تظن أن قراءتك لهذا المقال الآن بمحض الصدفة!
كيف تظن أن السلام شئ تسعى إليه بالخارج وأنت لا تجده بداخلك، لا أنكر أنك يمكن أن تستعين بأدوات من الخارج لخلق مساحة السلام أو ما يطلق عليه البعض ال“bubble”الخاصة بك، ولكن ذلك وحده لا يكفي لتنعم بسلام داخلي تسبح فيه وتنشره من خلال علاقتك بالآخر.
تحتاج أن تطمئن لنفسك أولاً، تطمئن أنها هنا لأجلك دائماً ولن تتركك وتذهب بعيداً فقط لأنك تصرفت بشكلٍ لا يليق، لن تعلق لك أحبال المشنقة لأنك أخطأت. تحتاج أن تطمئن أنها لن تحبك فقط في اللحظات السعيدة وتكرهك حينما تخذلها؛ بل ستظل تحبك للأبد ما دمت حياً تخطأ وتتعلم. فهي علاقة حب أبدية تروي عطشك للأمان والاطمئنان، ثم تؤهلك لبناء علاقات آمنة مسالمة مع الكون من حولك.
كيف أحدثك عن أهمية نبذ خطاب الكراهية وأنت يومياً تحدث نفسك بأقسى العبارات ولسان حالك “أنا سئ، أنا لا أستحق هذه الفرصة، أنا غبي، أنا فاشل…إلخ”. كيف أحدثك عن أهمية التعايش السلمي مع من حولك قبل أن أحدثك عن أهمية خلق بيئة داخلية آمنة مسالمة بداخلك ترشدك وتنير لك الدروب؟!، فكما قال مولانا – الرومي: “إن كان نورك ينبع من القلب.. فإنك لن تضل الطريق أبدا”.
فبالرغم من صراعك الأبدي بين الاختيار الصحيح وما هو دون ذلك، ألا أن اطمئنانك لفكرة أنك تتعلم من التجربة لتصنع حكمتك الخاصة هو ما يساعدك في التخطي، تخطي مرحلة الاختيار والبدأ فعلياً، وتخطي الندم إن أخفقت. سلامك الداخلي يحفظك من التفكير المفرط في “الاختيار” وكأن الطريق بلا رجعة، وكأنك لن تستطيع تغيير النتيجة بعد الاختيار إن بدا لك أنه ليس الاختيار الأنسب. تسليمك لا يخلق إلا مساحة للتعلم، وهو ما تعيش لأجله.
سلامك الداخلي يبقيك مؤمناً بأن ما يحدث يحدث لحكمة ما وإن لم تدركها، وأن الحياه هي وقتك، والوقت ملكك، فلا يوجد
“deadline”،لتحقيق مرادك. سلامك الداخلي يجعلك تشعر بالانتماء وكأن كل بقاع الأرض هي موطنك، وليس بلدك الأم فقط. وأينما حللت، حل السلام وانتشر، ف “دين الحب منفصل عن كل أشكال الديانات..العاشقون أمة واحدة ودين واحد وهذا هو الله” كما قال الرومي.