الدكتور “أسامة فخري” يكتب :”احترام الآخر وفقه الحوار من لوازم الحضارة والتعايش السلمي”
الدكتور “أسامة فخري” يكتب :”احترام الآخر وفقه الحوار من لوازم الحضارة والتعايش السلمي”
إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش منفردًا أو وحيدًا، ومن ثمّ فهو يحتاج إلى غَيْرِه؛ لتستقيم الحياة، فهو وحده لا يجمع كل القدرات والمواهب الحياتية، وإنما هي موزّعة على سائر الأفراد، إذن فكل إنسان يحتاج إلى غيره؛ لتستقيم شئونه ويحقق أهدافه وغايته، ويجد من يأنس به في جميع جوانب الحياة .
وحتى تنعكس الرحمة على هذا المجتمع بين سائر أفراده، لا بد من إشاعة قيم التآلف والمحبة والاحترام؛ ليؤدي كل إنسان عمله على أكمل ما يكون، فتتمايز العلاقات، وتتوطد الصلات، وتتوثق القربات، وتحفظ الأعراض .
إن تربية وتأسيس الأجيال على قيم الإنسانية، والتي منها (حبّ الآخر واحترامه)، يجعله حريصًا عليك، يرجو لك الخير، ويحب لك الخير، ويدعوا لك بالخير، الأمر الذي يجعله مشاركًا لك في أفراحك وأتراحك، وكذلك هذا الاحترام يكون دافعًا رئيسًا في دفع أيٍّ من منغصات الحياة، وسببًا فاعلًا في نزع الأحقاد والكراهية من الصدور .
فلا بغض مع محبة، ولا كراهية مع احترام، ولا حسد مع تمني الخير، ولا تكبّر مع تواضع، ولا غيبة ونميمة مع حفظ اللسان، ولا بذاءة مع عفة، ولا اعوجاج مع استقامة الأخلاق واعتدالها .
وحتى يستمر الحبُّ والاحترامُ للآخر، ينبغي أن يتعلمَ الطفلُ منذ النشأة فقه الحوار والتعايش مع الآخر، والبحث عن الأرضية المشتركة، والتي منها تبدأ العلاقات والتصرفات، مع نبذ بذور الفرقة والاختلاف، والتأكيد على أن الشرع الشريف جاء ليصنع تدافعًا (فقه الاختلاف مع وحدة الغاية) لا ليصنع صراعًا (ثقافة خلف خلاف مع فكرة الأنا وفقط).
هذا واحترام الآخر ينبغي أن يكون سلوكًا عامًا، وليس مجرد شعارات، فاحترام الآخر من خصائص الحضارة الإسلامية التاريخية، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } [سورة الحجرات :13] .
إن احترام الآخر يثمر قيمًا رائعة، منها : إعلاء قيم التسامح والحب بين البشر دون أدنى تمييز بسبب الدين والجنس واللون واللسان .
فالاحترام في حدِّ ذاته بابٌ واسعٌ لكثيرٍ من الأخلاق والقيَم، والتي منها التعاون، والانتماء، والتسامح، والرحمة، والصداقة، والحب، وغيرها . كل هذه الأخلاق مع غيرها مفتاحها وبابها هو احترام الآخر؛ مما ينعكس على مجتمعنا، فيكون مجتمعًا مترابطًا مؤسسًا على قيم الحوار والحب والتعايش، وهذا هو الأصل الأصيل في تنشئة أولادنا .
(ثقافة الاختلاف وثقافة الضجيج) :
وأنتهز الفرصة هنا لبيان الفرق الواسع بين حقيقة الاختلاف المثمر والاختلاف الآخر المفرّق، وأرى أنه لا بد من تفهيم الطفل ذلك؛ ليبحث عن الأرضية المشتركة التي يبدأ منها الحوار بدلًا من بذور الفُرقة والتضاد والضجيج .
لقد جاء الإسلامُ ليؤسس وليؤصل لبناءٍ أخلاقي في المقام الأول، جاء ليحقق إنسانية الإنسان، جاء ليؤكد على أن الإنسان ينبغي أن يعيش مادية الأرض بقيم السماء، جاء الإسلام يدعوا إلى المحبة والمودة، والتعاون والتآلف، والتعاطف والتآخي.
إذن قيمة الحوار وثقافة الاختلاف (اختلاف التنوع وليس التضاد) تؤسس وترسّخ لقيم أسمى وهي الأمن والسلام والتآلف والتوافق ، وتقف حائطًا منيعًا أمام التحزب والتفرق وثقافة الضجيج ، كما أن قيمة الحوار وثقافة الاختلاف تقدم المصلحة العامة على الشخصية ، وترفع من معنويات الناس، وتقف أمام الشائعات التي لا أساس لها.
هذه رسالة أرسلها للعقل الجمعي الذي يريد تنشئة الأجيال وفق فهمٍ واع، أقول : لا بد
· أن نعلمهم ثقافة الاختلاف …..وترك ثقافة خلف خلاف .
· أن نعلمهم اختلاف التنوع ….. وترك اختلاف التضاد .
· أن نعلمهم ثقافة الحوار … وترك ثقافة الضجيج .
· أن نعلمهم قبول الآخر … وترك نفيه وعدم الاعتراف به .
· أن نعلمهم ثقافة التدبير … وترك ثقافة التبرير.
· أن نعلمهم ثقافة التدافع … وترك ثقافة الصراع.
· أن نعلمهم ثقافة البناء … وترك ثقافة الهدم.
. أن نعلمهم ثقافة التعاون … وترك ثقافة التعاند.
· أن نعلمهم كيف يصنعوا السلم والأمن ….. وكيف ينبذوا العنف بأنواعه ( العنف النفسي – العنف الفكري – العنف الجسدي ).
· أن نعلمهم تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية .
فعلينا أن نعلّم أطفالنا ذلك،نعلّمهم أن الأصل هو احترام الآخر، والأهم فيه أن نحافظ على مساحة مشتركة من الود والحب والتقدير والاحترام للغير، لا أن يكون حوارًا يتمثل في الجمود والتعصب دون الاستماع للآخر أو إقرار الحق الذي مع الآخر .
فما أجمل صناعة الوعي والفكر لدى النشء بتعبئة معرفية وفكرية بفقه احترام الآخر وكيفية إدارة الحوار؛ لتسموا بها عقولهم، فيكونوا على قدم الإدراك والوعي؛ ليصبحوا أدوات حقيقية لصناعة الجمال في شتى المجالات وترسيخ التعايش السلمي.