تريزة شنودة تكتب : احترسوا من شائعات الفضاء الإلكتروني
تجمعنا صباح كل يوم ،غرفة أخبار يتنافس الجميع حولها على مبدأ السرعة ثم السرعة ، حيث أصبح المشهد الإعلامي في وقتنا الراهن كيف نتنافس على الخبر الأسرع في النشر ، حتى لو كلفنا الأمر عدم الدقة في المعلومة التي تصل إلى اتهامات قد تؤثر سلبًا على أمان واستقرار المجتمعات ..
تبدأ يومها الصحفي على مكالمة هاتفية ، بنبأ عاجل عن حادث حريق بأحد الكنائس، ورسالة تعزية تربك جميع غرف الأخبار بالصحف وكافة وسائل الإعلام من رئيس الجمهورية ، للتعزية في ضحايا الحادث ، ثم تعلو أصوات الإتهامات هل هو حادث إرهابي مدبر أم ماس كهربائي يشك البعض في كونه حقيقيًا وليس مدبر أيضًا ،هكذا حالنا كصحفيين عند وقوع الحوادث التي تخص المؤسسات الدينية خاصة مع حوادث سابقة كان الجاني بها الإرهاب الذي يحارب كل محاولات السلام في المجتمعات المختلفة .
كان هذا المشهد هو بداية التغطية الإعلامية لحادث حريق وقع بمصر ، منذ عدة أشهر وهو حادث التفت حوله الصحف العالمية وليست المصرية فقط ، حيث نشب حريق بكنيسة أبي سيفين بمنطقة إمبابة بالقاهرة راح ضحيته عددً من الضحايا غالبيتهم أطفالًا لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا يصلون ببراءة إلى الله إلى أن انتهت حياتهم بهذه اللحظة عقب نشوب الحريق .
بالطبع كان للإعلام دورًا هامًا في التغطية الإعلامية لهذا الحادث ، ولكن يا عزيزي عليك أن تتوقف لحظة قبل وصولك موقع الحادث ، لتتجول على صفحات التواصل الإجتماعي، لتجد أرقامًا متفاوتة عن عدد الضحايا والمصابين بالحادث ليست جميعها صحيحة ، وأصابع الإتهام حائرة بين عمل إرهابي مدبر أو ماس كهربائي أيضًا مخطط له ، سيناريوهات كثيرة طرحها رواد التواصل الإجتماعي في أقل من ساعة من وقوع الحادث ، والأ أخفيكم سرًا أن بعض وسائل الإعلام نقلت معلومات دون تدقيق في حادث مروعًا لكل من تابع تفاصيله ، على الرغم أن تحقيقات النيابة أثبتت عدم وجود شبهة جنائية او طائفية بالحادث كما روج البعض ، وأن السبب هو اشتعال مولد كهربائي بالكنيسة تسبب في الواقعة.
“نشوب حريق بكنيسة أبي سيفين “، لم يكن الحادث الأول من نوعه الذي تطرح بعض وسائل الإعلام خلاله اتهامات كثيرة عن سببه دون انتظار نتائج التحقيقات ، وبدلاً من أن يكون الإعلام البوصلة التي تحرك الجميع إلى الإتجاه الصحيح ، أصبحت بوصلته تحتاج إلى تعديل اتجاه ، أو بمعنى أصح تدقيق معلومات دون انحياز أو تمييز ، تحكمها فقط المهنية ، خاصة أن مع انتشار مواقع صحفية مختصة في تغطية الشئون الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية ، الأمر في صورته يبدو إيجابيًا أن تركز على قضايا المؤسسات الدينية وأحداثها وفعالياتها لتعرف الآخر من أنت وهويتك وقضاياك ، لأننا شركاء مجتمع واحد نحيا معًا في كل لحظاتنا دون انفصال ، الإ أن الجانب السلبي في بعض هذه المواقع الصحفية أنها أحيانًا تنحاز لكل القضايا على أساس ديني فقط ، دون الإلتفات إلى قضية الوطن الذي نعيش به .
هذا الأمر يجعلنا أمام معضلة تغطية القضايا الشائكة التي تخص الأديان ، كيف ننقلها دون تحيز ، دون اتهامات مسبقة تجاه الآخر لماذا نبحث عن الجاني والمجني في كافة القضايا ، اعتقد الأمر يحتاج سنوات من الجهود ، بوسائل الإعلام لكي تنقل الحدث كما هو دون توقعات ، أو أحكام مسبقة لكل الأحداث ،هذا ما نحلم به ،ونسميه “صحافة الحوار ” أن تعرف الآخر دون أحكام مسبقة ، ان تقبله كما هو ، دون تحيز ، أن تتقبل وجوده معك بالحياة كإنسان قبل ديانته ، أن تبحث عن المساحات المشتركة معه في التاريخ والتعليم وكافة جوانب الحياة ، أن لا تتوقع اتهامات تجاهه دون اثباتات سوى بعض الشائعات التي تحاول أن تفرق على أساس المعتقد ،قبل أن تبحث عن الإنسان أولاً
“صحافة وإعلام الحوار ” أصبحوا ضرورة مجتمعية في وقتنا الحالي ، خاصة مع الفضاء الواسع بمواقع التواصل الإجتماعي التي تنشر شائعات من شأنها نشر خطاب الكراهية بين أصحاب الديانات ، علينا كإعلاميين أن ندقق معلوماتنا دون انحياز لطرف دون الآخر ونحترس من شائعات ومعلومات الفضاء الإلكتروني ، و انحيازنا يجب أن يكون للحقيقة والسلام ، أن يكون خطابنا إنساني قبل كونه ديني ، لأن الله الذي يجمع البشرية لا يميز بين البشر ، ويريدنا أن نحيا في سلام ومحبة ، بعيدًا عن خطابات الكراهية التي يبثها البعض ، لذلك علينا أن نتبنى الصحافة التي تجمعنا وهي “صحافة الحوار ” التي نريدها أسلوب حياة في الإعلام المصري والعربي بل والعالمي أيضًا .