الرئيسية سوا حوارحكاية ورواية

مدارس الراهبات بمصر .. عندما تأتي “التربية قبل التعليم”

تريزة شنودة:
أمين عام الجامعة العربية… رشدي أباظة… دودي الفايد… أشهر خريجيها
أولياء الأمور يتهافتون عليها… وغالبية طلابها من المسلمين
بيئة خصبة لإنتاج ثمار التسامح والإنسانية… وحصص لتعليم الإتيكيت وفنون التعامل مع الآخر
تغرس قيم الوطنية والتحضر والتعامل مع الجميع دون تمييز… وأولياء أمور: فخورون بتعليم أبنائنا بين جنباتها
ساهمت بدورا تنمويا في المجتمع المصري وخصصت نسبة من مصروفاتها للمدارس الفقيرة بالصعيد
مديرة مدرسة سان جوزيف: هدفنا تنشئة أطفال سوية نفسيا يدركون مبادئ الرحمة والإنسانية

تريزا شنودة

مدارس الراهبات… ملاذ الباحثين عن التربية قبل التعليم، حلم لكثير من الطلبة وأولياء الأمور، هذه الكلمات ليست من قبيل الدعاية لإحدى مدارس المحروسة، ولكنها تمثل واقعا حيا لقواعد التنشئة السليمة للأطفال في جميع المراحل العمرية، حيث تعد مدارس الراهبات التابعة للكنائس الكاثوليكية بمصر، من أقدم المدارس وأكثرها انتشارا في المحافظات، ويبلغ عددها نحو 170 مدرسة، يديرها راهبة أو راهب، وكثيرا ما يبحث أولياء الأمور عن مقعد لأحد أبنائهم بين جنبات تلك المدارس، نظرا للسلوك المنضبط الذى تعتمده مدارس الراهبات في سلكها الدراسي.
فقد تخرج على يديها طالبات وطلاب أصبحوا اليوم وزراء وسفراء وأطباء وممثلون لمصر في جامعات العالم.
فإلى جانب التعليم الأكاديمي، تحرص مدارس الراهبات على تغذية طلابها بقيم الأخلاق والسمو والنظام والتهذيب السلوكي، إلى جانب غرس قيم الوطنية والتحضر والتعامل مع الجميع دون تمييز طبقي أو طائفي، فتلقى التعليم بها ليس قاصرا على أبناء الأقباط فحسب، حيث يمثل الطلاب المسلمون النسبة الأكبر بها.
ولعل ما تقدمه مدارس الرهبات كما اصطلح على تسميتها هو ما يجذب أولياء الأمور لإلحاق أبنائهم بها لضمان تنشئة متزنة محفوفه بعدد لا بأس به من المهارات الفكرية والدراسية والحياتية التي تفتقدها المدارس الحكومية والخاصة أيضا.

 

تاريخ إنشاء مدارس الراهبات بمصر…
وتلعب مدارس الراهبات دورا مؤثرا مهما في مجال التعليم، وبدأت تأسيس تلك المدارس منذ أكثر من 150 عاما، وكانت بداية التفكير في إنشاء المدارس الكاثوليكية على أيدى عدد من الرهبان في عهد الخديوي إسماعيل، ففي سنة 1847م أنشئت أول مدرسة للكاثوليك هى القديس يوسف في الخرنفش، ثم مدرسة الفرير باب اللوق عام 1888م، ودي لاسال بالضاهر عام 1898م، ومدرسة القديس بولس 1890م، ثم مدرسة سان جبريال بسبورتنج بالإسكندرية عام 1900م، ثم كلية سان مارك بالإسكندرية عام 1928م؛ ومن أشهر خريجيها الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، والفنان رشدي أباظة، ودودي الفايد نجل الملياردير محمد الفايد، ورشيد محمد رشيد وزير الصناعة الأسبق.
وعلى الرغم من أنها مدارس لها طابع إداري مسيحي حيث يديرها دائما رهبان وراهبات، الإ أن غالبية طلابها من المسلمين حيث يقدر نسبة تواجدهم بحوالي 80 % من نسبة طلاب مدارس الراهبات.
ولم تكتف مدارس الراهبات بدورها التعليمي، بل ساهمت بدورا تنمويا بالمجتمع المصري من خلال إنشاء مدارس تابعة لجمعية الصعيد للتنمية التي تخدم مجتمع الصعيد بمختلف فئاته، وأسست على يد الأب عيروط في عام 1946 م، هذا الراهب الكاثوليكي المشهور بكتابه عن الفلاح عام 1938 م، والذي ناقش خلاله دور الكنيسة المجتمعي في تطوير المجتمع خاصة بقرى الصعيد.
ومن أشهر مدارس الفتيات التابع لها، مدرسة نوتردام بمصر الجديدة وشبرا، والفرنسيسكان والسكركير في باب اللوق، والميرديديو بجاردن سيتي، وسيدة المعونة والقديس يوسف بالزمالك، والديلى فرانت برمسيس، والعائلة المقدسة في حلوان.
الثقافة وتعليم أولياء الأمور أهم شروط الالتحاق بمدراس الراهبات…
من جانبها قالت سيستر “سميحة راغب” مديرة مدير سان جوزيف للراهبات بالزمالك، إن الالتحاق بمدارس الراهبات لا يضع أي شروط تخص الديانة إطلاقا، ولكن هناك عدة معايير مهمة ننظر إليها بعين الاعتبار عند قبول أي طفل بمدراس الراهبات بشكل عام.
وأشارت “سميحة راغب” في تصريحات خاصة ل “سوا حوار”، إلى أن أول هذه الشروط هو معيار السن المناسب وفقا لمتطلبات السن بوزارة التربية والتعليم المصرية، بجانب ضرورة إجراء مقابلة للطفل وأسرته عند تقديم الملف لالتحاق بالمدرسة.
وأوضحت أن المستوى الثقافي والتعليمي لأسرة الطفل من أهم المعايير التي نختار على أساسها الطلاب، كما يتم اختبار معلومات الطفل التعليمية البسيطة قبل قبوله بالمدرسة، مع التأكد من المستوى الثقافي والأخلاقي اللائق لأسرته.
وأكدت أن مدارس الراهبات تسعى إلى التركيز على التنشئة مع التعليم، لأن التنشئة الجيدة هي جزء من التعليم السليم، مشيرة إلى أن هدفنا هو تنشئة أطفال سوية نفسيا ولديهم مبادئ الإنسانية التي هي جوهر جميع الأديان، من بينها مبادئ الصدق واحترام اللآخر وقبوله مهما اختفلت ديانته أو جنسه أو لونه.
تخصيص نسبة لدعم المدارس الفقيرة بالصعيد…
تضم الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية “مدارس الراهبات” اتحادا يدفع اشتراكا سنويا لوزارة التربية والتعليم 1 % من مصاريف التلاميذ سنويا، وتأتي هذه اللافتة في إطار حرص هذه المدارس على دعم جسور التواصل بينها وبين أفقر مدارس صعيد مصر.
نشط ثقافي ومعسكر صيفي يجمع المسلمين والمسيحيين…
ويوجد لدى الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، مؤسسة ثقافية يصدر عنها مجلة غير فصلية، كما تقيم حوالي 12 معسكرا صيفيا يجمع بين أبناء الوطن مسلموه ومسيحييه.
ويركز هذا المعسكر الصيفي على موضوع المواطنة، وما هو الدستور، وحقوق الإنسان، ويقيم مؤتمرا سنويا يديره الطلاب بداية من المؤتمر الصحفى وحتى انعقاد المؤتمر والموضوعات التي كانوا يريدون مناقشتها، وفي نهاية اللقاء يحضر قيادات التربية والتعليم حيث يناقشون الطلاب فى أمورهم التعليمية وأهم التحديات التي تواجههم.
أولياء الأمور: المدرسة تساعد في تخريج طلاب على قدر عال من الادراك والمسؤولية..
“غادة بهجت”، ولية أمر لطالبة بمدرسة سانت ماري للراهبات بمنطقة حلوان، قالت إنها كانت حريصة على تعليم أبنائها في مدارس الراهبات، لأنها مدارس تركز على الأخلاقيات والمبادئ الإنسانية دون تمييز.
وأشارت “غادة” في تصريحاتها ل “سوا حوار” إلى أن هناك تعليما مميزا ومختلفا في مدارس الراهبات يجذب الجميع للالتحاق بها سواء مسلمون أو مسيحيون، خاصة أن إدارة المدرسة قائمة على الراهبات اللاتي يحرصن على تعليم الطلاب الأخلاق والإنسانيات من صغرهم.
وأكدت أن مدرسة الراهبات التي تتعلم بها ابنتها، ما زلت تحرص على تعليم الطلاب والطالبات، أصول الإتيكيت وقواعد التعامل مع المناسبات، والتركيز على أهمية قبول الآخر مهما كان اختلافه سواء في الدين أو الجنس أو لون البشرة، ولا مساحة للتنمر على أي طالب مختلف بمدارس الراهبات، ومن ثم فالمدرسة تساعد في تخريج طلاب على قدر عال من الفهم والإدراك والمسؤولية يقدرون معنى الإنسانية واحترام الآخر.
في سياق متصل قال “أحمد سعيد” ولي أمر طالب بمدرسة “سيدة المعونة” الكاثوليكية للراهبات، إنه فخور بتعليم أبنائه في مدارس الراهبات، مؤكدا أن أي شخص تعلم في مدارس الراهبات ستجده يتميز بأخلاق رفيعة المستوى ويتعامل دائما بإنسانية مع من حوله في المجتمع، ولهذا السبب نحرص على تعليم أبنائنا بتلك المدارس.
وأوضح “سعيد” ل “سوا حوار”، أن مدارس الراهبات تحرص على تنظيم أنشطة مختلفة بين أبنائنا المسلمين والمسيحيين ليزرعوا في الأبناء مبادئ الأخوة والعيش المشترك على أساس المحبة بين الطلاب، وذلك عبر معسكرات ورحلات مشتركة ليشاركوا مع بعضهم البعض في أنشطة اجتماعية مجتمعية تجمعهم سويا دون تمييز، وهذا الأمر يجعل أي ولي أمر يهدف إلى تعليم جيد لأبنائه، وتنشئة متزنة تساعد على الاندماج لا التفرقة.
خريجة مدارس راهبات: تعلمت قواعد السلوك الإنساني واحترام الآخر…
قالت “لوجين مجدي” إحدى خريجات مدارس الراهبات بالمنصورة إنها تعلمت الكثير خلال رحلتها التعليمية بمدارس الراهبات، مشيرة إلى تلقيها أهم قواعد النظام وقواعد السلوك الإنساني، والثقافة والفنون، جنبا إلى جنب مع المناهج الدراسية، موضحة حرص مدارس الراهبات على تنمية المواهب لدى طلابها.
وتابعت: تعلمت أيضا في مدارس الراهبات المعنى الحقيقي لعبارة “الجميع يمتلكون جمال أو صفات خاصة تميزهم ولا وجود للقبح في الحياة”، فالمسيحي مميز، والمسلم مميز، والطالب ذو البشرة السوداء له طابع خاص من صفات الجمال، وذو الاحتياجات الخاصة مميزين، ومن ثم لم يكن هناك مجال للتنمر بين طلاب مدارس الراهبات، أو التمييز بين طالب مسيحي وآخر مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *