أخبار سوا حوارالرئيسية سوا حوارحكاية ورواية

“شم النسيم لكل المصريين “..تعرف على التراث الشعبي للإحتفال به

باسم المصري:

ارتبطت تسمية “شم النسيم”، بالتقويم الزراعي المصري، وقد قسّم المصري القديم العام إلى ثلاث فصول ترتبط بالدورة الزراعية؛ حيث تبدأ رأس السنة المصرية مع فصل الفيضان (آخت) الذي يوافق ظهور نجم الشعرى اليمانية، الذي يحدث في يوم 19 يوليو بتقويمنا الحالي. ثم يأتي فصل بذر البذور “برت”، الذي يبدأ في شهر نوفمبر، ويوافق ظهور الأرض بعد انحصار الفيضان، وينتهي بفصل الصيف “شمو” الذي يبدأ في شهر مارس وينتهي في يوليو. ويرجع بداية الاحتفال بشم النسيم إلى ما يقرب من خمسة آلاف سنة، أي نحو عام (2700 ق. م.)، وتحديدًا مع أواخر الأسرة الثالثة، ليحتفل به المصريون حتى الآن.

عيدًا يرمز عند قدماء المصريين، إلى بعث الحياة، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بداية خلق العالم. فكانوا يحتفلون بذلك اليوم في احتفال رسمي كبير فيما يعرف ب”الانقلاب الربيعي”، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم، قبل الغروب، ليشهدوا غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم. وفي تلك اللحظة يحدث شيء عجيب، حيث تخترق أشعة الشمس قمة الهرم، فتبدو واجهة الهرم أمام أعين المشاهدين وقد انشطرت إلى قسمين، وما زالت هذه الظاهرة العجيبة تحدث مع قدوم الربيع يوم 21 مارس من كل عام.

ومعنى شَمُّ النِّسِيْمِ في اللغة القبطية، هو “شُوْمْ إنِّسِم”، وكلمة “شم النسيم” swm `n nicim هي كلمة قبطية (مصرية)، “شوم” swm تعني “بستان”، و”نيسيم” nicim تعنى “الزروع”. وحرف “إن” بينهما للربط فتصير الكلمة “شوم إن نسيم”بمعنى”بستان الزروع”. وقد تطوَّر نطق الكلمة مع الزمن فصارت “شم النسيم”. وتعني كلمة “شمو”أيضا”الحصاد”، وقد رمز له بالعلامة الهيروغليفية “عنخ” مفتاح الحياة، أي أنه فصل الحياة، وجاءت التسمية الحالية، من تحريف “شمو”إلى”شم” عبر السنين، وأضيفت إليها النسيم، في إشارة إلى اعتدال الجو، وقدوم الربيع.

وكان عيدًا وثيق الصلة في وجدان المصريين القدماء ببداية الخلق؛ إذ كانت لديهم في معتقداتهم الدينية نظريات عن الخلق وكيف نشأ الكون. ومنها أن الكون بأكمله “انبثق من بيضة كبيرة”، وكان لجمال الطبيعة تعبيرا آخر عن فلسفة بدء الخلق التي طغت على عيد شم النسيم، إذ تعم الاحتفالات الشعبية والرسمية؛ ويشترك فيه الملك والوزراء والاعيان، فهو العيد الذي تُبعث فيه الحياة ويتجدد النبات وينشط الحيوان أي أنه بمثابة الخلق الجديد.ويخرج الناس جماعات إلى الحدائق والمتنزهات والحقول للتنزه، واستنشاق الهواء الربيعي المحمل بروائح الورود والرياحين، تاركين وراءهم متاعب الحياة وهمومها.

واعتاد المصريون أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم، ويركبوا الزوارق الخفيفة على سطح النيل، ويغنون على أنغام الناي والمزمار ويرقصون.

*التراث الشعبي للمصريين في شم النسيم

و”احتفال شم النسيم” له أطعمته الخاصة بما لها من مدلولات دينية واجتماعية

وأهم الأطعمة التي يتناولونها المصريين واعتبرت جزء من التراث الشعبي لهم، في ذلك اليوم:

  • البيض يرمز إلى خلق الحياة من الجماد، وقد صوَّرت بعض برديات منف الإله “بتاح” إله الخلق عند الفراعنة، وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة التي شكلها من الجماد.ولذلك فإن تناول البيض في هذه المناسبة، يبدو وكأنه من الشعائر المقدسة عند قدماء المصريين، فكانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل يعلقونها في شرفات المنازل أو في أغصان الأشجار، لتحظى ببركات نور الإله، عند شروقه فيحقق أمنياتهم، وقد تطورت هذه النقوش، فيما بعد لما يعرف بالبيض الملون.
  • الفسيخ والرنجة فقد ظهرا بين الأطعمة التقليدية في الاحتفال بالعيد في عهد الأسرة الخامسة، مع بدء الاهتمام بتقديس النيل (الإله حابي) ، وقد أظهر المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ (السمك المملح).
  • البصل أيضًا من الأطعمة التي حرص المصريون القدماء على تناولها في تلك المناسبة، وقد ارتبط عندهم بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض، فكانوا يُعلَّقون البصل في المنازل وعلى الشرفات، كما كانوا يُعَلِقُّونه حول رقابهم، ويضعونه تحت الوسائد، تلك العادة مازالت منتشرة بين كثير من المصريين حتى اليوم.
  • الخس من النباتات المفضلة في ذلك اليوم، وقد عُرِف منذ عصر الأسرة الرابعة، بما يُسَمَّى بالهيروغليفية “عب”، واعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة، فنقشوا صورته تحت أقدام إله التناسل عندهم. حيث كشفت البحوث والدراسات أن ثمة علاقة وثيقة بين الخس والخصوبة.
  • الحمص الأخضر وهو ما يعرف عند المصريين باسم “الملانة” ومن الأطعمة التي حرص قدماء المصريين على تناولها أيضًا في الاحتفال بعيد “شم النسيم”، فقد جعلوا من نضوج ثمرة الحمص وامتلائها إشارة إلى موسم الربيع.

وعندما دخلت المسيحية مصر فى منتصف القرن الأول الميلادى وكانت تشكل أكبر تجمّع مسيحي داخل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وانتشرت تدريجيًّا في جميع أنحاء البلاد في القرن الثاني، وقد كانت الإسكندرية مركزًا هامًا خلال العصور الأولى للمسيحية. وتاريخُ المسيحيَّةِ في مصر يبدأ بِهجرة العائلة المُقدَّسة إليها هربًا من ظُلم هيرودس الأوَّل ملك اليهوديَّة حسب رواية الكتاب المقدس. وبعد انتشار المسيحية تمامًا في شتى ربوع مصر بالقرن الرابع، احتفاظ المصريون بعاداتهم المتوارثه، فواجه المصريون مشكلة في الاحتفال بهذا العيد (شم النسيم)، لأنه كان يتزامن مع الصوم الكبير المقدس الذي يسبق عيد القيامة المجيد، وزمن الصوم يتميَّز بالنُسك الشديد والاختلاء والعبادة العميقة، مع الامتناع طبعًا عن جميع الأطعمة التي من أصل حيواني، فكانت هناك صعوبة خلال فترة الصوم في الاحتفال بعيد الربيع، بما فيه من انطلاق ومرح وأفراح ومأكولات. لذلك رأى المصريون المسيحيون وقتها تأجيل الاحتفال بعيد الربيع (شم النسيم) إلى ما بعد فترة الصوم، واتفقوا على الاحتفال به في اليوم التالي لعيد القيامة المجيدالذي يأتي دائمًا يوم أحد، فيكون عيد شم النسيم يوم الاثنين التالي له. وأعطوه معنى روحي بإلتصاقه بعيد القيامة، كمثال البيض يرمز لقيامة السيد المسيح. فكما يخرج الكتكوت من البيض وحده خرج السيد المسيح من القبر قائمًا من الأموات وحده، ومن هنا الارتباط بين عيد القيامة وعيد شم النسيم الذى لا يتحدد حتى يومنا هذا إلا بناءً على عيد القيامة، ليصبح اليوم الثانى للعيد، ورمز فتح السيد المسيح للفردوس.

تحديد موعد عيد القيامة.. وارتباطه بحساب الإبقطي

وعادة ما تتزامن هذا المناسبة مع احتفالات الاقباط بعيد القيامة المجيد، وتوجد علاقة تاريخية لربط هذا المناسبة بأعياد الربيع “شم النسيم” ولعل لهذا الربط علاقة وطيده ترجع إلى مدى اتساق الحضار الفرعونية مع الأقباط الذين حافظوا على العديد من العادات والتقاليد والمناسبات المصرية القديمة ومزجوها مع الطقوس القبطية التي لازالت حتى الآن تُعيد مجد هذا الحضارة العريقة.

واعتمد المصري القديم على الحساب فلكي طويل يُدعى “حساب الإبقطي”، وتعني “عُمر القمر في بداية شهر توت القبطي من كل عام” ووضع هذا الحساب في القرن الثالث الميلادي، في عهد البابا ديميتريوس الكرام (البابا البطريرك رقم 12 بين عامي 189 – 232 م) ونُسِب للأب البطريرك، بواسطة الفلكي المصري “بطليموس الفرماوي” (من بلدة فرما بين بورسعيد والعريش) فدُعِيَ “حساب الكرمة”.

وهذا الحساب يحدد موعد الإحتفال بعيد القيامة المجيد بحيث يكون موحدًا في جميع أنحاء العالم وبالفعل وافق على العمل به جميع أساقفة روما وأنطاكية وأورشليم في ذلك الوقت، بناء على ما كتبه لهم البابا ديميتريوس الكرام في هذا الشأن. ولم عُقِدَ مجمع نيقية عام 325 م. أقرَّ هذا الترتيب، والتزمت به جميع الكنائس المسيحية حتى عام 1528 م، وفي هذا الحساب يُراعى أن يكون الاحتفال بعيد القيامة موافقًا للشروط التالية:

1- أن يكون يوم أحد. لأن قيامة الرب كانت فعلًا يوم أحد.

2- أن يأتي بعد الاعتدال الربيعي (21 مارس).

3- أن يكون بعد فصح اليهود. لأن القيامة جاءت بعد الفصح اليهودي.

وحيث أن الفصح يكون في يوم 14 من الشهر العِبري الأول من السنة العبرية (القمرية). والفصح اليهودى مرتبط بالحصاد، فلابد أن يأتي الاحتفال بعيد القيامة بعد اكتمال القمر في النصف الثاني من الشهر العبري القمري. ويقع الحصاد عند اليهود دائمًا بين شهري إبريل ومايو (وهي شهور شمسية) كما ذكر (سفر اللاويين23: 4-12) لذلك كان المطلوب تأليف دورة ممزوجة بالدورة الشمسية والدورة القمرية، ليقع عيد القيامه بين شهري ابريل ومايو فلا يقع قبل الأسبوع الأول من أبريل، أو يتأخر عن الأسبوع الأول من شهر مايو.

ولايأتي عيد القيامة بحساب الأبقطي قبل الاعتدال الربيعي في نهاية شهر مارس، وحيث أنّ هناك تعديل في السنة الميلادية صار حتّى الآن 13 يومًا، يصير الاعتدال الربيعي الآن في 3 أبريل وهو الامر المشابه باحتفالات عيد الميلاد المجيد الذي كان في بادئ الامر25 ديسمبر وصار لبعض الطوائف المسيحية في 7 يناير من كل عام.

وقد استمر موعد الاحتفال بعيد القيامة موحدً عند جميع الطوائف المسيحية في العالم، طبقًا لهذا الحساب القبطي، حتى عام 1582 م حين أدخَل البابا غريغوريوس الثالث عشر بابا روما تعديلًا على هذا الترتيب، بِمُقْتَضَاه صار عيد القيامة عند الكنائس الغربية يقع بعد اكتمال البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرةً، بغض النظر عن الفصح اليهودي. فكان الغرض من حساب الأبقطي هو تحديد يوم عيد القيامة تبعًا للفصح اليهودي، وعليه يمكن تحديد الأعياد التالية له.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *