زمان بعد اختراع الألة الحاسبة كان الوالدين يوجهوا لأولادهم مقوله شهيرة “احسب الأول ما توقفش مخك وبعدين استخدم الاله الحاسبة”، فكان فعل العملية الحسابية يستلزم بناء قدرات عقلية وتعليمية ورياضية للأفراد من مرحلة مبكرة في التعليم حتى يتثنى لهم عمل العمليات الحسابية، كذلك فعل الثقافة يحتاج بناء قدرات الأفراد منذ النشأة وحتى الرحيل لأن الثقافة فعل مستمر لا ينتهي ولا يندثر، فالثقافة كان حي ينمو ويتطور ويحتاج للعناية والمراعاة.
أطلق العرب قديماً كلمة “الثقافة” وأرادوا بها الحذق والمهارة وكذلك كل مشتقاتها تدور في غالبها حول ذلك المعنى ومعانٍ أخرى كالتقويم والإصلاح وسرعة التعلم وذلك بحسب المعاجم العربية، ثم أخذت الكلمة تطوراً في مطلع القرن العشرين حتى استقرت اصطلاحاً على كل ما يتعلق بالمعرفة والعلم والتفكير بناءً على القاعدة المعرفية.
والطبقة المثقفة والمتعلمة هي المنوط بها النهوض وحمل مشاعل النور لإضاءة الطريق للأمة نحو التقدم والرقي والإبداع، وظل الحال كذلك مدة من الزمن فالطبقة المثقفة تسعى جاهدة نحو تحقيق آمال الأمة المعلقة عليها والأمة تتابع وتترقب نتائج الإبداع المنتظر والتقدم المنشود، ثم بدأت الأيام تتوالى وتسارعت خطى البشرية نحو الميكنة بأشكالها المتعددة وحلت الآلة محل البشر في مجالات عدة.
ثم ها هي البشرية تحط رحلها في آخرة المحطات التي وصلنا إليها وبزغ فيها نجم “الذكاء الاصطناعي” مؤذناً ببداية عصر جديد يتجاوز حدود استبدال المجهود البشري بتلك الآلات، فبدأ يستبدل العقل البشري بعقل آخر صناعي يتعلم ويفكر ويبحث ويحلل، وبدأ مع هذا العصر الجديد سؤال ملحٌ حول الثقافة والمثقفين ومصيرهم!!
فالثقافة هي مجموعة من المعتقدات والممارسات والقيم التي تشكل مجتمعًا أو مجموعة. إنها تتطور بمرور الوقت وتعكس تاريخ وتجارب المجتمع. يمكن أن تؤثر الثقافة على كل جانب من جوانب الحياة، من كيفية تربية الأطفال إلى كيفية تنظيم الحكومة.
والحرفية الثقافية هي فن وصنعة صنع الثقافة بعناية ودقة. يمكن أن تكون الثقافة بسيطة أو معقدة، ولكنها دائمًا ما تتطلب مهارة وإبداعًا. يمكن أن تكون الثقافة شكلاً من أشكال الفن أو الترفيه أو حتى طريقة لكسب لقمة العيش.
في حين أن الذكاء الاصطناعي (AI) هو مجال من مجالات علوم الرقمنة يركز على إنشاء آلات قادرة على التفكير والتصرف مثل البشر. يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمجموعة متنوعة من الأغراض، بما في ذلك تطوير الروبوتات وأنظمة التعرف على الكلام والبرامج التي يمكنها إنشاء محتوى إبداعي.
يظهر للعيان أن تواجه الثقافة تحديات من الذكاء الاصطناعي. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على الثقافة بعدة طرق، مثل التأثير على كيفية إنتاج واستهلاك الثقافة: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل من الأسهل إنتاج محتوى ثقافي عالي الجودة، مما يمكن أن يؤدي إلى زيادة المنافسة بين الفنانين والكتاب والموسيقيين وغيرهم من المبدعين. يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا تغيير كيفية استهلاك الناس للثقافة، حيث يمكنهم الوصول إلى المحتوى من أي مكان في العالم وفي أي وقت.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على القيم الثقافية، حيث يمكن استخدامه لإنشاء محتوى ثقافي يعكس القيم الجديدة أو المختلفة. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أفلام أو برامج تلفزيونية تقدم صورًا جديدة للعالم.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على هوية المجتمع، حيث يمكن استخدامه لإنشاء محتوى ثقافي يربط الناس ببعضها البعض. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء تطبيقات اجتماعية تساعد الناس على التواصل مع بعضهم البعض.
ومع ذلك، يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي أيضًا تأثير إيجابي على الثقافة. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي استخدام للحفاظ على الثقافة، حيث يمكن استخدامه لإنشاء متاحف افتراضية أو إعادة إنشاء الأحداث التاريخية.
في النهاية، سيكون تأثير الذكاء الاصطناعي على الثقافة أمرًا معقدًا وغير مؤكد. ومع ذلك، من المهم أن نكون على دراية بالتحديات والفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للثقافة، حتى نتمكن من اتخاذ قرارات مستنيرة حول كيفية استخدام هذه التكنولوجيا.
نحن نقف عند فجر حقبة جديدة. تعمل الثورة التكنولوجية على تغيير حياتنا بسرعة هائلة، مما يغير بشكل كبير الطرق التي نعمل ونتعلم بها، وحتى تلك التي نعيش بها سوياً. يمر الذكاء الاصطناعي (AI) بنمو هائل وإيجاد تطبيقات جديدة في عدد متزايد من القطاعات، بما في ذلك الأمن والبيئة والبحث والتعليم والصحة والثقافة والتجارة إلى جانب الاستخدام المتزايد التعقيد للبيانات الضخمة.
الذكاء الاصطناعي هو الحدود الجديدة للإنسانية. بمجرد عبور هذه الحدود، سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى شكل جديد من الحضارة الإنسانية. المبدأ التوجيهي للذكاء الاصطناعي ليس أن يصبح مستقلاً أو يحل محل الذكاء البشري. ولكن يجب علينا أن نتأكد من تطويره من خلال نهج إنساني قائم على القيم وحقوق الإنسان. نحن نواجه سؤالًا حاسمًا: ما نوع المجتمع الذي نريده غدًا؟ تفتح ثورة الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة ومثيرة، لكن الاضطراب الأنثروبولوجي والاجتماعي الذي يجلبه في أعقابه يتطلب دراسة متأنية.
في حين أن الذكاء الاصطناعي يمثل أصلاً مذهلاً للثقافة المسؤولة في مجتمعاتنا، إلا أنه يثير قضايا أخلاقية كبرى، فيجب أن نميز بين الآثار المباشرة للذكاء الاصطناعي على مجتمعاتنا، وعواقبه التي نشعر بها بالفعل، وتداعياته على المدى الطويل. وهذا يتطلب أن نرسم معا وبشكل جماعي رؤية وخطة عمل استراتيجية.
يجب على العالم أن يضمن استخدام التكنولوجيات الجديدة، خاصة تلك القائمة على الذكاء الاصطناعي، لصالح مجتمعاتنا وتنميتها الثقافية. يجب أن تنظم تطورات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بحيث تتوافق مع الحقوق الأساسية التي تشكل ثقافاتنا وتضمن تنوعها.
تدعو العديد من الجهات الفاعلة مثل الشركات ومراكز البحوث وأكاديميات العلوم والدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وجمعيات المجتمع المدني إلى إطار أخلاقي لتطوير الذكاء الاصطناعي. بينما يتزايد الفهم للقضايا، فإن المبادرات ذات الصلة تحتاج إلى تنسيق أكثر قوة. هذه المشكلة عالمية، ويجب أن يتم التفكير فيها على المستوى العالمي لتجنب اتباع نهج “الانتقاء والاختيار” في الأخلاقيات. علاوة على ذلك، يلزم اتباع نهج شامل وعالمي، بمشاركة كافة الأطراف، إذا أردنا إيجاد طرق لتسخير الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية المستدامة.
إن الدور الفعال الذي تلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات الثقافية جعلها مركز اهتمام المؤسسات لا سيما وأن التطبيقات المرتبطة بها تسير على خطا ثابتة لمنافسة العقل البشري، وتأتي هذه الدراسة بهدف تبيان الدور الذي يلعبه التغيير في الثقافة التنظيمية لتبني التحول إلى العمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات وإبراز التحديات التي تواجه فكرة التحول ومتطلباته.
وختاماً لابد من اليقين أن الذكاء الاصطناعي هو أداة لمساعدة البشر لإنجاز عملهم، والتفكير في أن الذكاء سوف يستحوذ على العنصر البشري مغلوط تماما، وذلك حتى الآن فقط، فالذكاء لن يحل محل الإنسان، لكي تستخرج نتائج إبداعيه، فلا غنى عن وجود العنصر البشري فالآلة عامل مساعد لا أكثر، ولكنه عامل مساعد جيد لم أحسن استخدامه.
