أخبار سوا حوار
“كيميت للسلام”..نطلق ندوة بعنوان “التحديات في الشرق الأوسط
نظمت مؤسسة «كيميت بطرس غالى للسلام» والمعرفة، مساء الثلاثاء، بالنادى الدبلوماسى ندوة بعنوان «التحديات فى الشرق الأوسط» بحضور وزير الدفاع والخارجية الفرنسى السابق، ومبعوث الرئيس ماكرون إلى لبنان، جان إيف لودريان على هامش زيارته الرسمية للقاهرة، وأدارتها السفيرة ليلى بهاء الدين، المديرة التنفيذية لمؤسسة كيميت بطرس غالى، وذلك بحضور سامح شكرى، وزير الخارجية، وعدد من وزراء الخارجية السابقين، والشخصيات العامة وأساتذة العلوم السياسية وسفراء بعض الدول: «يتعلق قلقنا بشكل خاص بمخاطر الانفجار فى لبنان الذى يمر بمرحلة معقدة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، مشددًا على أن هناك حاجة ملحة لمساعدة لبنان للخروج من الأزمة المؤسسية التى غرق فيها منذ عام 2022
جانب من الندوة
افتتح ممدوح عباس، رئيس مجلس أمناء مؤسسة كيميت بطرس غالى، الندوة مرحبًا بالوزير الفرنسى، معتبرًا أن هذا اللقاء هو أول نشاط تقوم به المؤسسة فى إطار فرانكوفونى.
وقال «عباس»: «إننا نشهد اليوم انهيارًا للنظام الدولى وعدم احترام القانون الدولى والمبادئ التى تبنتها الدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية، كما أننا نرى فى تعاملات المجتمع الدولى درجة غير مسبوقة من الكيل بمكيالين فى التعامل مع عدوان بغيض على الشعب الوحيد القابع تحت الاحتلال ويطالب بحقه فى تقرير مصيره منذ أكثر من خمسة وسبعين عامًا».
وانتقد «عباس» السماح لدولة الاحتلال بانتهاك كافة الأعراف والمواثيق الدولية دون أدنى محاولة لكبح وحشيتها، وإطلاق العنان لها فى قتل ما يزيد على ٣٥ ألفًا من المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، بينما تتلقى السلاح بمليارات الدولارات بلا سقف.
ووجه «عباس» حديثه للوزير الفرنسى قائلا: «لا يسعنا سوى أن ننقل لكم بعض تساؤلات الشارع المصرى، لقد كانت لفرنسا الصديقة سياسة عربية متوازنة فمتى تستعيد ذلك التوازن، وهى التى تمثل الاتحاد الأوروبى كعضو دائم فى مجلس الأمن، عليها مسؤوليات خاصة فى صون الأمن والسلم والاستقرار العالمى، كما تتمتع بعلاقات طيبة ومصالح كبرى مع عالمنا العربى؟».
وعبر «لودريان» عن شكره العميق للمشاركة فى الفعالية مرحبًا بالحضور، وعلى رأسهم سامح شكرى، وزير الخارجية، الذى حرص على المشاركة، مشيدا بدور مؤسسة «كيميت بطرس غالى» التى تلعب دورا بارزا فى نشر مناظرات الأفكار.
وقال إن ذلك يأتى فى هذه الأوقات المأساوية مرة أخرى، حيث أصبحت المبادئ التى تم تنظيم النظام الدولى على أساسها بعد عام 1945 موضع شك، فإن المنتديات مثل منتدى كيميت ضرورية لبناء الجسور وتغذية الحوار بشكل مفيد بين الأمم والشعوب، معتبرا أن بطرس بطرس غالى كان جزءًا من سلسلة طويلة من الدبلوماسيين المصريين العظماء.
وثمَّن «لودريان» مواقف بطرس غالى قائلًا: «إنه كان شخصية دولية بارزة كأمين عام للأمم المتحدة ثم للمنظمة الفرانكفونية، ولايزال مصدرًا للإلهام فى نواحٍ عديدة. إننى أفكر بالطبع فى الالتزام المستمر بحقوق الإنسان وعملها دفاعا عن السلام الدولى فى فترة لا تخلو من صدى حالى للغاية، تتميز بتفاقم الهوية وصراعات ما بعد التقسيم فى يوغوسلافيا»، موضحًا: «فى الوقت الذى نتحدث فيه أكثر فأكثر عما يسمى العالمية، يمكننا أن نتذكر أن بطرس بطرس غالى كان صوتا عظيما، استمع إليه وسمعه العالم أجمع، للتغلب على فكرة الانقسام بين شمال لا يمكن المصالحة معه والجنوب».
وتابع «لودريان»: «اللحظة التى نعيشها تتميز بطريقة انقلاب النظام الدولى، وعودة الحروب الأكثر عنفا، هنا فى الشرق الأوسط مع الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى، دون أن ننسى التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل فى الأسابيع الأخيرة، وفى أوروبا مع حرب روسيا ضد أوكرانيا».
وواصل: «مثل هذا الوضع، وهو عكس الزمن مقارنة بنهاية القرن العشرين، يتطلب من جانب أولئك المهتمين بحالة العالم والسلام عملاً مشتركًا للتفكير والنقاش دون محرمات أو نقاشات، ترقبًا لما هو مفيد».
وأشاد «لودريان» بخصوصية العلاقة بين فرنسا ومصر، قائلًا: «بالنسبة لفرنسا، وقد أتيحت لى الفرصة لتذكر كل رحلاتى العديدة هنا، فإن مصر بلد عظيم وشريك تاريخى واستراتيجى، ولدينا علاقة غنية مبنية على المصالح المشتركة، فى مجالات متنوعة للغاية: الأمن والثقافة والفرنكوفونية والاقتصاد».
أضاف: «بالنسبة لى شخصيًا كوزير للدفاع والخارجية، واليوم كمبعوث شخصى لرئيس الجمهورية ماكرون إلى المنطقة، فإن مصر شريك رئيسى يلعب دورًا أساسيًا فى العديد من الأزمات التى لها تأثير على أمن المنطقة وعلى أمن فرنسا والفرنسيين. أنا أفكر بشكل خاص فى ليبيا، حيث تمكنت، فى هذا الصدد، من تقدير المساهمة الحاسمة التى قدمتها مصر فى العمل المشترك لمكافحة الإرهاب، والذى قوض استقرار وأمن البلاد ومثل، ولا يزال، تحديًا كبيرًا»، معتبرًا أن موقع مصر، عند مفصل البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية وأفريقيا، يمنحها موقعًا مركزيًا فريدًا للغاية، وبالنسبة لفرنسا، تعتبر مصر شريكًا اقتصاديًا وتجاريًا رائدًا يمكننا الاعتماد عليه.
واستعرض «لودريان» بعض التحديات التى تواجه مصر، قائلًا: «مصر تواجه أيضا صراعات وتوترات فى جوارها المباشر: فى السودان بالطبع، حيث تؤثر تأثيرات الحرب الحالية بشكل مباشر على مصر وتثير قلقها عن حق، فى القرن الإفريقى، مع استمرار النزاع حول سد النهضة الكبير والذى لايزال معلقًا والذى يجب إيجاد حل دبلوماسى له لصالح جميع دول المنطقة المعنية».
وتطرق «لودريان» إلى الحرب فى غزة متسائلا: «تعيش المنطقة برمتها مأساة، منذ الهجوم الذى لم يسبق له مثيل فى 7 أكتوبر، أثناء حرب غزة: مَن أفضل من مصر، التى تبدو روابطها التاريخية وقربها الجغرافى من الأراضى واضحة، قادر على قياس المخاطر ورصدها؟ المخاطر التى يفتحها هذا الصراع غير المسبوق حجمه ما يقرب من ٣٥ ألف حالة وفاة، معظمها من النساء والأطفال، ومدته أكثر من 7 أشهر حتى الآن وتعقيده المرتبط بالألعاب والجهات الفاعلة المختلفة، وفى بعض الأحيان لابد من القول عنهم التناقضات».
واعتبر ما يحدث الآن هو فى الحقيقة مأساة، قائلًا: «فى هذه اللحظة أود أن أفكر بشكل خاص فى الضحايا، مهما كانت جنسيتهم، حيث أدى هجوم حماس فى 7 أكتوبر إلى مقتل أكثر من ألف شخص، من بينهم 42 فرنسيًا، ومن بين الرهائن المائة الذين مازالوا محتجزين فى غزة ثلاثة فرنسيين، وكما ذكر رئيس الجمهورية، فإن جميع الضحايا متساوون فى نظرنا، مهما كان أصلهم ودينهم.
أضاف: «من هذا المنطلق، أود أن أؤكد أن معاناة أهل غزة هى فى نظرنا لا تطاق وغير مقبولة، وأود هنا أن أحيى جهود دول المنطقة، بدءًا بمصر للسماح بدخول وتوزيع المساعدات على المدنيين، كما أود أن أشيد بعمل الجهات الإنسانية الفاعلة التى دفعت ثمنا باهظا أكثر من اللازم، ثمنا باهظا فى هذا الصراع».
وأكد أن الصراع فى الشرق الأوسط هو أيضا نتيجة «التعتيم» السياسى الذى ظهرت آثاره الدراماتيكية فى وضح النهار، قائلًا: «أفكر أولا وقبل كل شىء فى غياب الدولة الفلسطينية، التى هى أصل الصراعات ومصدرها أولاً، والتوترات التى تؤثر على هذه المنطقة على الرغم من أن الإجماع الدولى لصالح حل الدولتين لم يكن واسع النطاق على الإطلاق»، مضيفا: «إن الدراما التى تتكشف أمام أعيننا سيكون لها فى نهاية المطاف تأثير فى تذكير العالم، المجتمع الدولى، بأن القضية الفلسطينية ظلت مركزية، ليس فقط بالنسبة للسكان العرب، بل وخارجها فى العالم الإسلامى، ولكن أيضًا جزئيًا التأثير الكبير للغرب، الآراء، بما فى ذلك الآراء الأمريكية».
وأوضح أنه من هذا المنطلق التزمت فرنسا منذ فترة طويلة بتعزيز حل الدولتين، وهو الخيار السياسى الوحيد لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل فى المنطقة.
واستعرض «لودريان»، خلال محاضرته، سياسة فرنسا وموقفها من الأحداث والصراعات الدائرة فى المنطقة والعالم وفقًا للمرتكزات الفرنسية، قائلًا: «إذا أردنا أن نحاول ممارسة محتملة للصراع، فلابد، فى رأيى، أن نأخذ فى الاعتبار عدة اعتبارات، مع أربعة مفاتيح على الأقل تحدد السلام أو الحرب فى المنطقة».
أضاف أن أول تلك الاعتبارات هو «التطورات (الإسرائيلية- الإسرائيلية) على وجه التحديد، فى سياق وطنى أكثر تعقيدا وأكثر تقلبا مما نعتقد، مع احتمال إجراء انتخابات ستكون مفتاحا لمستقبل الصراع الحالى، بما فى ذلك بعداه اللبنانى والإيرانى، ونظيرهما، إذا جاز لى أن أقول الفلسطينى- الفلسطينى»، متسائلًا: «أى مستقبل سياسى لحماس فى اليوم التالى؟ هل ستتمكن السلطة الفلسطينية من استعادة السيطرة على غزة؟ فهل ستستمر العرقلة الإسرائيلية أمام أى دور للسلطة الفلسطينية فى غزة؟ ما هو الوجود الدولى (و/ أو العربى) فى القطاع، وبأى شروط؟».
وواصل «لودريان»: «ثانى تلك المحددات، المعادلة الأمريكية، قبل أقل من 6 أشهر من انتخابات تتسم بغموضها والتأثير المعلن للحرب فى غزة على الانتخابات، خاصة فى (الولايات المتأرجحة) الشهيرة»، لافتا إلى أن حركات الاحتجاج الحالية فى الجامعات الأمريكية (ولكن ليس فقط)، والتطور فى اتجاه أكثر انتقادًا تجاه الحكومة الإسرائيلية للرأى العام فى هذا البلد، هى عناصر يجب أخذها بعين الاعتبار أيضًا، متسائلًا: «علاوة على ذلك، ما هى التأثيرات التى يجب أن نتوقعها على العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية، على الحفاظ على التزام الولايات المتحدة بدعم تل أبيب أم لا، فى حالة عودة ترامب إلى العمل؟ الكثير من الأسئلة التى لاتزال مفتوحة».
وأشار إلى أن ثالث العوامل التطور فى العالم العربى، حيث إنه مشروط جزئيًا بالفرضيات السابقة قائلًا: «مع ملاحظة أولى: الدول العربية فى المنطقة (أفكر بشكل خاص فى مصر والأردن ودول الخليج مجتمعة فيما يسمى المجموعة العربية) تقدمت باقتراح لإنهاء الأزمة»، مرحبا بالتنسيق القوى بين فرنسا والمجموعة العربية بهدف التوصل فى أسرع وقت ممكن إلى السبل والوسائل لوقف فعّال ودائم لإطلاق النار، ومعالجة ما نسميه «اليوم التالى»، ومن المأمول أن يكون لهذه الجهود تأثير على الوضع المأساوى الذى نراه.
واعتبر «لودريان» المسألة الإيرانية أنها ستكون حاسمة بكل تشعباتها، من المحور المقام على طول القوس الشيعى إلى البرنامج النووى، بما فى ذلك التهديدات الملموسة على المناطق.
واستعرض «لودريان» الموقف الفرنسى من أحداث غزة، موضحًا أنه فيما يتعلق بفرنسا على وجه الخصوص، اقترح الرئيس ماكرون، منذ بداية الصراع «مبادرة من أجل السلام والأمن للجميع»، تتمحور حول ثلاثة مكونات.