الرئيسية سوا حوارحكاية صورة

الكنيسة القبطية والفاتيكان ..تاريخ من محاولات التقارب والوحدة

تريزة شنودة :

كانت زيارة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ، إلى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس  ،هي زيارة تاريخية ، وتعتبر هي الثانية ،بينهما ،حيث كانت الأولى منذ 10 سنوات ، الإ أن أن هذه الزيارة هي مختلفة نظرًا لأنها جاءت احتفالًا  بمناسبة مرور 50 عامًا على زيارة البابا شنودة للفاتيكان فى عام 1973، وتوطيد العلاقات بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية.

وشهدت هذه الزيارة مشاركة البابا تواضروس بكلمة مع بابا الفاتيكان، خلال الاجتماع العام لبابا الڤاتيكان، والذى يُعقد كل أربعاء، كنوع من التقدير والتكريم والمحبة.

كما ألقى  البابا تواضروس كلمة فى ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، يوم الأربعاء، كأول بطريرك غير كاثوليكى يلقى كلمة هناك، بمناسبة تذكار يوم المحبة والصداقة بين الكنيستين، ولاقت كلمته إعجابًا كبيرًا عند غالبية الأقباط حيث أكد خلالها على المحبة المتبادلة مع كنيسة “الفاتيكان” قائلًا خلالها “لقد اخترنا المحبة حتى لو كنا نسير عكس تيار العالم الطامع والذاتي، لقد قبلنا تحدى المحبة التي يطلبها منا المسيح، وسنكون مسيحيون حقيقيون وسيصبح العالم أكثر إنسانية، ليعرف العالم كله أن الله محبة”

وتعتبر علاقة الكنيسة المصرية الأرثوذكسية بكنيسة روما “الفاتيكان” ،علاقة لها تاريخ من التقارب والتباعد في فترات زمنية مختلفة ،خاصة منذ انفصالهما تاريخيًا خلال الفترة الزمينة لإنعقاد مجمع خلقيدونية في القرن الخامس الميلادي، وانفصلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (ومعها الأحباش والسريان وغيرهم) عن باقي كنائس العالم،ولكن حتى وقتنا الراهن ،هناك  تاريخ وجهود كبيرة تسعى إلى الوحدة بين الكنيستين من وقت خلقيدوني في القرن الخامس وحتى يومنا هذا..

*تاريخ الوحدة بين الكنيسة القبطية و كنيسة روما ..

قال الباحث الكنسي “أمجد بشارة” إن هناك مساعي تاريخية إلى الوحدة بين الكنيسة القبطية وكنيسة “روما ” الفاتيكان ،تحت مفهوم الوحدة بينهما ، الإ أنها لا تعني بالضرورة الوحدة الكاملة في نفس الألحان والطقوس والكلمات المستخدمة في الصلوات الليتورجية، ولا يعني الخضوع لبابا روما، بل فقط يعني رفع الحرومات ووحدة الإيمان.

وأشار “بشارة ” في تصريحات لمنصة “سوا حوار  ” إلى أن مساعي الوحدة بين الكنيستين بدأت بشكل رسمي مع مجمع فلورنينا فلورنسا 1438-1445، والذي كان الهدف منه التواصل مع الكنائس الشرقية (البيزنطيين والأقباط)، وكان في عهد بابا روما اوجينيوس الرابع، وبابا الأقباط يوحنا الحادي عشر، وحينها أرسل البابا يوحنا وفدًا عن الكنيسة القبطية إلى روما برئاسة القمص أندراوس، والتي تمت الوحدة بالفعل على يدهم وأعلنها البابا أوجينيوس سنة 1442م في كنيسة السيدة العذراء مريم بفلورنسا، إلا أن هذه الوحدة لم تتم على أرض الواقع لأسباب كثيرة منها الكنسي ومنها السياسي..

وتابع أنه في القرن السادس عشر (1561 تقريبًا)، وأثناء المجمع التريدنتيني وصل وفد من الكنيسة القبطية، ومن الوفد كان الراهب إبرام السرياني، ويحملون رسالة إلى البابا تعبر عن رغبة رؤسائهما ورغبة الشعب كله في الإتحاد. فأرسل البابا بيوس الرابع وفدًا للتفاوض مع البطريرك القبطي لتحقيق الاتحاد، ودعا البطريرك إلى الاشتراك في المجمع التريدنتيني سنة 1561 م.، وكاد الاتفاق على الإتحاد أن يتحقق إلاَّ أن البطريرك توفى فجأة، ولم تتم مساعي الوحدة بين الكنيستين في هذا الوقت .

وأضاف “بشارة ” أن في عام 1584 م سعى البابا البابا غريغوريوس الثالث عشر مفاوضات الوحدة الكنسية مع بطريرك الكنيسة القبطية الأنبا يؤانس الرابع عشر البابا 96 (المُلَّقب بالمنفلوطي) وأرسل وفدًا إلى البطريرك القبطي، وبدأت مباحثات مع البطريرك ومعاونيه من أساقفة وكهنة ووجهاء الشعب، وأخذت المفاوضات تسير سيرًا حسنًا أدى إلى أن عقد البطريرك بتاريخ 1 فبراير سنة 1584م في دار قنصل فرنسا حينذاك ” بولس مرياني ” مجمعًا عامًا ترأسه هو بنفسه وحضره أربعة أساقفة ووكلاؤهم ولفيف من الكهنة ووجهاء الشعب، وأدَّى البحث مع وفد البابا إلى اتفاق عام على وضع صيغة رسمية لإعلان الإتحاد، ولكن، بعد أسبوع تم رفض هذا الاتحاد.. وتمت مراسلات مرة أخرى وفد كنيسة روما للسعي نحو الموافقة مرة أخرى، وقد وعدهم البطرك القبطي بالنظر في الأمر،لكن لم تكتمل مساعي الوحدة في تلك المرحلة .

وأشار إلى أن محاولات التقارب والوحدة ،كانت مستمرة حتى عام  1590م ، والتي بدأت عندما كتب البابا سكستس الخامس بابا روما إلى البطريرك غبريال الثامن بابا الأقباط، يدعوه إلى الإتحاد. ولم يحدث شيء غير بعض الحوارات حول الموضوع، ومن بعد البابا سكستس جاء البابا اكلمنضس الثامن وواصل محاولات البابا سكستس الخامس لدى البطريرك جبرائيل الثامن، فكتب البطريرك إقرار الإتحاد بالكنيسة الكاثوليكية، وكتب هذا الإقرار في يناير سنة 1597م بالإصالة عن نفسه وبالنيابة عن الإكليروس والشعب القبطي، ووقَّعه بإمضائه وخاتمه، ووقَّعه أيضًا من الأساقفة. أسقف الفيوم والبهنسة وأسقف إسنا وعدد كبير من القمامصة والكهنة والشعب، مضيفًا أنه عندما وصل وفد الأقباط إلى روما دُرِست المسألة جيدًا، وأُعدَّت وثيقة الإتحاد، وكتب البابا اكليمنضس الثاني إلى البطريرك غبريال الثامن، وأعلن كذلك قبوله في إنشاء مدرسة قبطية في روما، وخُصّص دير القديس اسطفانوس داخل أسوار الفاتيكان ليكون قصرًا لهذه المدرسة وهبة دائمة للأقباط، ولكن بعد وفاة البابا اكليمندس خلفه الأنبا مرقس الخامس عام 1603 م وتوقف العمل بوثيقة الاتحاد هذه.

*محاولات التقارب مع كنيسة روما بعهد البابا شنودة 

عقب هذه الفترة تمت بعض المفاوضات التي لم تثمر إلى شيء،حتى زمن قداسة البابا شنودة الثالث، والذي حدثت فيه عدة أحداث، منها زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى مصر.

وتحدث “بشارة” عن تفاصيل هذه الزيارة قائلًا :”عند وصول سيارة بابا الفاتيكان بدأ شمامسة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في أداء الألحان القبطية ، ولأول مرة يذكر اسم بابا روما في الصلوات القبطية داخل الكنيسة الأرثوذكسية.. أُستقبل بابا الفاتيكان بلحني “إب اوروا” إي يا ملك السلام وأيضًا “إفلوجيمينوس” أي مبارك الآتي باسم الرب.”

وتابع أن من الكلمة التي ألقاها قداسة البابا شنودة في هذه الزيارة:”أن لنا علاقات كثيرة في القرون الأولى للمسيحية بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة روما. وقد عادت الصلة بعد زيارتي لقداسة البابا بولس السادس في الفاتيكان سنة 1973م وقد وقعنا معًا إعلانًا مشتركًا  وكوَّنا لجنة مشتركة لأجل الحوار اللاهوتي.. إننا سعداء أن نرحب بقداستكم، ليس فقط الكنيسة القبطية بل كل المصريين، ونشكركم على كلمة التحية التي قلتها في المطار لأجل كنيستنا.. ونرجو أن تتقدم بتعضيدكم كل الجهود لأجل الوحدة المسيحية لأن الرب الإله قال في إنجيل يوحنا الإصحاح العاشر أنه يريد أن تكون كنيسته “رعية واحدة لراع واحد ” وفي تأملاته مع الآب في يوحنا الإصحاح 17 إنه يريد أن يكون تلاميذه أو المؤمنين به ” أن يكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد”.

وأوضح أن الاتفاقية التي يتحدث عنها قداسة البابا شنودة هنا هي الاتفاقية الكريستولوجية المقترحة والتى تمت الموافقة عليها بواسطة المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وتم التوقيع عليها فى لقاء 12 فبراير 1998 فى دير الأنبا بيشوى بمصر.

*لقاء البابوين يعبر عن روابط المحبة 

تجدد اللقاء بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، وكنيسة الفاتيكان ، في عامنا الحالي ، خلال زيارة البابا تواضروس الثاني للفاتيكان في الفترة الحالية ، مما اعتبرها الكثيرون رسالة محبة هدفها التقارب بين الكنيستين .

من جانبه قال كريم كمال الكاتب والباحث في الشأن السياسي والمسيحي إن كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني في ساحة الفاتيكان ،بمناسبة خمسين عام علي زيارة قداسة البابا شنودة وعشر أعوام علي الزيارة الاولي البابا تواضروس الفاتيكان تعبر عن روابط المحبة التي تربط الكنيستين منذ اللقاء الاول وهي رسائل سوف تكون عامل مساعد في طريق الوحدة المسيحية والتي مازالت تحتاج الي مجهود شاق.
واضاف “كمال” في تصريحات خاصة لـ”المجرة” أن كلمات البابا تواضروس عن المحبة خلال لقائه ببابا الفاتيكان تعتبر منهج عمل مشترك إطاره  المحبة ومنهجية المزيد من التعاون المشترك مع ترك المسائل العقائدية للحورات اللاهوتية القائمة بالفعل بين الكنيستين منذ نصف قرن.
وتابع أن الخلافات اللاهوتية والعقائدية التي لم تحل بعد ،لا تمنع المحبة والعمل المشتركة من أجل البشرية علي العديد من الأصعدة.
واختتم “كمال” تصريحاته قائلًا:” نتمني المزيد من اللقاءات بين الكنائس المختلفة من أجل التقارب والعمل معًا علي تحقيق الوحدة المسيحية حتي ولو بخطوات بسيطة.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *