تعرف على السيرة الذاتية لـ”القس المؤتمن”..أشهر رواد التراث العربي المسيحي
باسم المصري :
يعتبر القس المؤتمن شمس الرئاسة أبو البركات بن كبر، من أبرز علماء الكنيسة القبطية الموسوعيين الذين ظهروا في القرن الرابع عشر الميلادي؛ وُلد في القاهرة، أواخر القرن الثالث عشر، ويعتبر من أشهر رواد الكُتاب الأوئل في التراث العربي المسيحي أي الشخصيات التي تحدثت وكتبت وفكرت باللغة العربية وأغنت العقلية المسيحية وأَثْرت الكتابات المسيحية العربية الأولى، ففي براعة تامة استخدم اللغة العربية وملكاتها من غنى في المفردات والمرادفات، ومميزاتها من سجع وقافية وصور تعبييرية غنية.
هو ابن لأب ثري ذو مال وجاه يدعي “الشيخ الأكمل الأسعد”؛ وكان يملك دارا فسيحة في مصر العتيقة؛ في درب سمي بـ”درب ابن كبر”، حيث كان أكابر القوم من وزراء وقضاة ورؤساء طوائف يعيشون وقتئذ.
كان تعليمه الأول في الكتاتيب القبطية، ثم انكب على دراسة كتب الأدوية في مختلف العلوم المدنية والدينية واللغوية، ودرس الكتب الكنسية القديمة دراسة مستفيضة، وساعده على ذلك تقربه من الباباوات المعاصرين لاسيما البابا يؤانس الثامن البطريرك الثمانون، فأكمل بذلك ثقافته العلمية الدينية، أجاد اللغتين العربية والقبطية، وتعلم اليونانية والعبرية، ويقال؛ السريانية أيضاً.
وعمل كاتبًا لُضباط المماليك؛ ثم كاتبا للأمير “ركن الدين بيبرس المنصور”، تقاعد عن عمله عام 1293م بعد اضطهاد السلطان “الملك الأشرف الخليل”، للأقباط الذي قال “ما أريد في دولتي ديواناً نصرانياً”، فأبعد حُكام مصر كُتاب النصارى عن خدمة الأمراء.
سيم قسيسًا في “الكنيسة المعلقة” باسم القس برسوم، في عام 1300م أجمع أراخنة الشعب على اختياره كاهناً. وتلا أول عِظة كنائسية في الأحد الثاني من الصوم المقدس 1300م بمناسبة مجيء البطريرك الجديد البابا يؤانس الثامن إلى “دير شهران”،واشتهر بالثقافة الموسوعية، وبعد رسامته ركز على الكتب في مختلف العلوم المدنية والدينية واللُغوية.
كان عالمًا فاضلًا ومؤرخًا كنسيًا في التاريخ الكنسي والطقوس وغيرها من العلوم الدينية. فقد وضع عددًا غير قليل من الكتب التي مازالت تعتبر مراجع أساسية للباحثين.
*القس المؤتمن يشارك في كتاب عن تاريخ الهجرة
اشترك”القس المؤتمن” مع بيبرس في عملًا تاريخا أجاد فيه وأبدع، ويقال إن بيبرس صنف عمله بإعانة كاتبه ابن كبر النصراني وسمي العمل بـ “زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة”. وذكر نفس المعلومة عنه المقريزي (1364- 1442) في الجزء الثاني من كتاب “السلوك لمعرفة دول الملوك”، فشهد لكتاباته المؤرخون المسلمون مثل المقريزي وابو المحاسن بن تغرى بردى.
وقام بتأليف موسوعات في العلوم الكنسية واللغة القبطية والفلسفية الدينيَّة المسيحية، من بينهم كتاب «مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة»، ويعتبر دائرة معارف كاملة متكاملة؛ يتكون من 24 بابا تشمل كل ما يتعلق بالديانة المسيحية من عقيدة وتاريخ وطقس، وقد ذُكر أن الرحالة الألماني فانسليب ، عندما كتب كتابه الشهير «تاريخ كنيسة الاسكندرية» عام 1677م اعتمد بشكل رئيسي كما ذكر هو بنفسه في مقدمة الكتاب على المعلومات التي وردت في كتاب ابن كبر، ويتضمن هذا السفر العظيم جملة قوانين الكنيسة والمجامع وأخبار الرسل والتلاميذ وقواعد دينية وطقسية وتاريخية وأدبية، وتعد من أهم وأكبر الموسوعات الدينية
كما قام بإطلاق معجم «السلم الكبير المقترح» معجم قبطي ــ عربي؛ وضعه عام 1324م في عشرة أبواب مقسمة إلى 30 فصلا؛ وترجم كل منها بالعربية الصحيحة. طبع في روما عام 1643م، ونشر بالقبطية واللاتينية والعربية، ويعتبر من أنفس الكتب في القبطية.
كتاب جلاء العقول في علم الاصول: الملقب بكتاب كشف الاسرار الخفية في اسباب المسيحية، يتضمن 18 فصلا في المعتقدات المسيحية وحدانية الله تثليث أقانيمه والتجسد الإلهي (توجد نسخة بمكتبة الفاتيكان وأخرى بدمشق).
ووضع ابن كِبَر قائمة بأسماء المدن والقرى المصرية، وقد اعتبر تزييل لكتابه المعجم، وكما وضع فهرسًا خاصًا لجميع الكلمات العبرية التي اقتبسها القبط من أسفار العهد القديم، وقد اعتبر تزيل لكتابه المعجم.
ورحل القس المؤتمن يوم 10 مايو 1324م في عهد البابا يؤانس التاسع ودفن على الأرجح في الكنيسة المعلقة.
كان “ابن كبر ” ومازال منارة لكل الدارسين والباحثين في التراث القبطي العريق، واغنت كتاباته المكتبة القبطية العربية.