“سعديا الفيومي “…أول مؤرخ للتراث العربي اليهودي بمصر
باسم المصري:
التراث العربي، يعرف بأنه كل ما باللغة العربية كُتب، سواء كان ذلك باللغة العربية موضوعًا أصلًا ، أو مترجمًا إليها من لغات أجنبيه. وذلك لا يُحد بأصل المؤلف أو المترجم، إذ قد يكون روميا أو سريانيًا أو قبطيًا الخ، أو حتى كان عبرياً وقد تُرجم بالعربية.
فكل ما ألفه أو ترجمه أو نقله المسيحيون أو اليهود باللغة العربية، سواء كان من التراث الديني، أو التراث الفلسفي، أو الأدبي، أو العلمي. أي أن الموضوع لا ينحصر في اللاهوت أو الديانات، وإنما يشمل جميع ألوان الإنتاج الفكري هو تراث عربي ويصنف دينًا حسب الشخص المُعد مسيحيًا كان أو يهوديًا.
*من هو “سعديا الفيومي” ؟
ومن أبرز المؤرخين والمترجمين المعروفين في التراث العربي من اليهود ، هو سعيد بن يوسف أبو يعقوب الفيومي المشهور ب”سَعْدِيا گاؤون “سعديا جاؤن” סעדיה גאון” (ولد في 268 هـ / 882م، بالفيوم – مصر، تتلمذَ في طبرية على يد أبي كثير يحيى بن زكريا الكاتب، وكانت تجمعه علاقة صداقة قوية مع الحاخام إسحق بن سليمان الساكن بالقيروان.
كان حاخامً وفيلسوف يهودي مصري. تأثر بالمدرسة الكلامية ومذهب المعتزلة. ودافع عن النبوة والوحدانية لله الواحد، ورفض أمور السحرة والمنجمين. وهو أول عبراني كتب على نطاق واسع بالعربية، فهومؤسس الأدب العربي اليهود.
كان له دور كبير في الجدل القانوني والسياسي الذي نشأ بشأن التقويم اليهودي في حلب، وقد اختلف مع الحاخام هارون بن مئير، رئيس يهود الشام، في ذلك الزمن. وأقنع يهود الشام برأي حكماء العراق الذين وافقوا على السير على هذا التقويم.
وقد عُين الفيومي رئيسًا للمسبيين أي الفيومي رئيساً لمدرسة سورا عام 928م على يد داود بن زاكاي، وهو ما خالف العُرف بأن رؤساء المدرستين العراقيتين كانوا دائماً من أهل العراق، ويعود تاريخ منصب «رئيس المسبيين» إلى فترة الفتح الإسلامي للعراق عندما أعاد المسلمون هذا المنصب لليهود، فأنشأت آنذاك مدرستان كبيرتان، إحداهما في مدينة سورا والأخرى في «فوم بديثا» (الفلوجة) وكان انتخاب حاخام مصري الأصل رئيساً لمدرسة عراقية حدثاً عظيماً لأنها كانت المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك.
والاسم “جاؤون” أو “گاؤون” – بمعنى الرئيس الأعظم – أُطلقت وأطلق في الفترة الإسلامية على الحاخامين رئيسي المدرستين في العراق.
وتحت قيادته أصبحت مدرسة سورا مقراً علمياً كبيراً لحاخامات اليهود. وبعد فترة ليست طويلة نشب خلاف بينه وبين رئيس المسبيين داود بن زكاي مما اضطره إلى ترك قيادة المدرسة وتفرغ لكتابة مؤلفاته. ثم عاد الفيومي لرئاسة المدرسة الدينية مرة أُخرى بعد أن انتهت الخلافات.
وترجع أهميته بأنه من الشخصيات الفذة والذي خلف أفضل ترجمة وتفسير بالعربية للتوراة (كتب موسى الخمس) لتثقيف اليهود والعرب على حد سواء ضمن العديد من الكتابات والتي أستخدمها المسيحيون بعد ذلك في ترجمات العهد العتيق من الكتاب المقدس.
بعد اكتشاف الجنيزة القاهرية (جنيزة كنيس بن عزرا تم اكتشافها في القاهرة عام 1828م والتي تعتبر من أهم المصادر الحديثة لمعرفة تاريخ اليهودية) تم التعرف على العديد من كتابات سعيد الفيومي وترجم منها الكثير.
ويظن الباحثون أن العثور على كل أعمال سعدي الفيومي ما يزال ممكنا لو تم التفتيش عنها في اليمن، لأن يهود اليمن كانوا يؤمنون بعلمه وينسخون كل كتبه ويحتفظون بها لدراستها أو لمجرد التبرك بها.
مؤلفاته:
• ومن أول أعماله وهو في سن العشرين أكمل عمله الأول بتأليف قاموس عبري خصصه للشعراء، عرف أولا باسم (معجم الأجرون) ثم سماه باسم كتاب أصول الشعر العبراني، وأيضا له كتاب في اللغة يُسمى كتاب فصيح لغة العبرانيين. وتفسير السبعين لفظة المفردة. ، و”كتاب التاج” ذكر عنه الحاخام ابن عزرا الأندلسي في تفسيره عن التوراة بأنه كتاب ترجمةً للكتاب المقدس العبري بالحروف العربية. وأضاف لجميع الكتب مقدمات وتفاسير بالعربية، ولكن بالحروف العبرية.
كما ترجم كتاب “جامع الصلوات والتسابيح” يضم الصلوات اليومية وصلوات أيام الأعياد جميعاً كما ضمنه الشرائع اللازمة لكل يهودي في جميع المناسبات وكتبها باللغة العربية وبالحروف العبرية، و”كتاب المختار في الأمانات (الإيمان) والاعتقادات” الذي ألفه عام ٩٣٣م.
كما ترجم “كتاب تفسير سفر أيوب” من وجهة نظره ركز في جوهره على فكرة العدل الإلهي المطلق ومدى إيمانه بذلك، ومن هنا جاء هذا الشرح والتفسير، ليشرح كيف تكون معاناة الإنسان التقى الصالح المستقيم، تلك المعاناة التي يبتليه الله بها لا يجوز تفسيرها على أنها عقاب إلهى، فهي ليست عقابا له، وإنما هي اختبار وامتحان لصدق عقيدته، ومدى إيمانه بقضاء الله الذى أنعم عليه وهداه، وقد أوضح ذلك في مقدمته لشرحه.
وذكر ابن النديم في الفهرست عن سعديا : “ومن أفاضل اليهود وعلمائهم المتمكنين من اللغة العبرانية، ويزعم اليهود أنها لم تر مثله، الفيومي، واسمه سعيد ويقال سعديا وكان قريب العهد، وقد أدركه جماعة في زماننا”، وكان هدف سعديا من خلال ترجمته للكتاب المقدس العبري يهدف لتقديم صورة صحيحة، من وجهة نظره، عن التوراة باللغة العربية، التي كانت سائدة في أيامه والتي يتكلمها العرب أجمعون.
كان هدفه من الترجمة تبسيط الكلام وتقريبه للقارئ العربي، وابتعد في ترجمته وتفاسيره للتوراة عن تجسيم الله وتشبيهه.
وهو أول من وضع للغة العبرية قواعد نحوية أعاد بها إلى تلك اللغة الحياة، وجعلها لغة علم ومدارسة بعد أن عَسُر فهمها على كثير من يهود زمانه. كذلك كانت له إسهامات في علم الكلام اليهودي استطاع من خلالها التأكيد على أن النص التوراتي لا يتصادم مع العقل، وأن بالإمكان استخدام العقل لمزيد من فهم النص والإفادة المُثلى منه، مما رَّد كثيرًا من الأسئلة، خاصة تلك التي أثارها القراؤون وبعض الملحدين الذين ذاع ُشَبه عن التوراة
كما كانت له أيضا كتابات أدبية على هيئة أشعار وابتهالات وتسابيح تالها اليهود إبان حياته وبعد مماته في صلواتهم وأعيادهم الدينية ، وترجمها إلى عربية بهدف تعريف الحضارة العربية بالثقافة والحضارة اليهودية .