ساحة حوار

باسم المصري يكتب:”المواطنة بمفهوم أوروبا”(٢)

هي مفهوم يشير إلى حقوق وواجبات المواطن في دول العالم الغربي. فهي تعبر عن المشاركة الفعالة للفرد، وتُعتبر المواطنة مسؤولية جماعية تشمل الالتزام بالقوانين والقيم الأخلاقية والمساهمة في حماية حقوق الآخرين وحفظ العدالة الاجتماعية.

وتُقدر المواطنة في الغرب بالمعرفة والتثقيف، حيث يُشجع المواطنون على الاطلاع على الأخبار والمشاركة في العمل السياسي، والحث على التسامح والمساواة، وتعتبر حقوق الإنسان هي مبادئ أساسية تحكم مفهوم المواطنة في الغرب، مما يؤكد التعددية والديمقراطية في تعامل المجتمعات الغربية.

وعملية المواطنة في أوروبا معقدة ومتطورة، بتطور المجتمعات الأوروبية، فأصبحت أكثر شمولية، للأفراد الذين يحملون جنسية الدولة، ويختلف مفهوم المواطنة في أوروبا من دولة إلى أخرى، وذلك حسب القوانين والتشريعات الوطنية لتلك الدول، ويتشاركون ببعض العناصر التي تحدد مفهوم المواطنة في أوروبا، مثل: الجنسية: تعد الجنسية هي شرط أساسي للحصول على المواطنة. الإقامة: يجب أن يكون المواطن مقيمًا بشكل دائم في الدولة التي يحمل جنسيتها. الاندماج: يُتوقع من المواطنين أن يندمجوا في المجتمع الذي يعيشون فيه، وأن يحترموا قيمه وتقاليده.

ويشهد مفهوم المواطنة في أوروبا تحديات عدة، منها والهجرة فأدى تدفق المهاجرين إلى أوروبا إلى إثارة مخاوف بشأن الهوية الوطنية والاندماج. والقومية المتطرفة أدت إلى تهديد القيم الديمقراطية في أوروبا. والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية أدت إلى تراجع المشاركة السياسية وضعف الشعور بالانتماء إلى الوطن.

 

وقد مر ذلك المفهوم تاريخيا بعدة مراحل تستعرضها الأدبيات الاجتماعية والسياسية للمفهوم بدأً من الدولة الإغريقية القديمة (الأدب الغربي) في القرن الخامس قبل الميلاد على يد المشرع الإغريقي صولون، ثم امتد مفهوم المواطنة من الإغريق إلى الدولة الرومانية التي منحت أبناءها حقوقاً لم تمنحها لأبناء الدول التي احتلتها، ثم تطور مفهوم المواطن الروماني إلى البلاد التي تم احتلالها بعد استقرار الأوضاع في تلك البلدان. وكان مفهوم المواطنة حين ذاك يعتمد على الانتماء العرقي أو الديني. ففي اليونان القديمة، كان المواطن هو الشخص الذي يتمتع بالجنسية اليونانية، وكان يتمتع بمجموعة من الحقوق، منها حق المشاركة في الحياة السياسية والعسكرية. وفي روما القديمة، كان المواطن هو الشخص الذي يتمتع بالجنسية الرومانية، وكان يتمتع بمجموعة من الحقوق، منها حق التصويت والانتخاب.

وفي القرون الوسطى في أوروبا بالتحديد صيغ مفهوم المواطنة بالمواطنة الإقطاعية، وهي مجموعة المزايا التي تترتب على النسب “النبلاء” أو على الثروة بخلاف العوام من الناس، حتى لو كانوا من أبناء البلاد، ثم جاءت الثورة الفرنسية، أصبح مفهوم المواطنة يعتمد على الانتماء السياسي. فقد نص إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 على أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون، بغض النظر عن أصلهم العرقي أو الديني. وقد شمل مفهوم المواطنة المقاربات الحقوقية التي تلت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو يعني  إعطاء الفرد/المواطن الشرعي القانوني الذي ولد في بلد ما  واكتسب جنسيته الحق في الاستفادة من ما ترتبّه عضوية تلك البلد لمواطنيها من امتيازات وحقوق، فأصبحت المواطنة هي: المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز  على أساس نوعي أو عرقي أو ديني أو جغرافي، تقوم على قبول و احترام الآخر و تتضمن تعزيز قيمة  الانتماء  لدي المواطنين، ويتعين على المواطنين أيضًا الالتزام بالواجبات المدنية واحترام القوانين والمؤسسات والقيم الديمقراطية التي تحكم المجتمع الأوروبي، ثم أصبح المفهوم يعتمد على الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي فمع توحيد أوروبا، أصبح مفهوم المواطنة الأوروبي مفهومًا جديدًا يتجاوز الحدود الوطنية، وأصبح المواطنون الأوروبيون يتمتعون بحقوق ومسؤوليات جديدة، مثل الحق في حرية الحركة والإقامة والعمل في أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، فيهدف المواطنون في أوروبا إلى بناء مجتمع عادل ومتساوٍ يعم الازدهار والتعايش السلمي.

ولكن تواجه المواطنة في أوربا مجموعة من التحديات، منها الهجرة والتطرف والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، مما يدفعنا للإشارة إلى مستقبل مفهوم المواطنة في أوروبا ومن المُتوقع أن يستمر مفهوم المواطنة في التطور في أوروبا في المستقبل. حيث ستواجه الدول الأوروبية تحديات جديدة، مثل تغير المناخ والتهديدات الأمنية، مما سيؤدي إلى تغييرات في مفهوم المواطنة.

ومن المتوقع أن تصبح المواطنة أكثر عالمية، حيث ستصبح الدول الأوروبية أكثر انفتاحًا على المهاجرين. كما من المتوقع أن تصبح المواطنة أكثر مشاركة، حيث سيُطلب من المواطنين أن يكونوا أكثر فاعلية في الحياة السياسية والاقتصادية.

 

في النهاية نجد أن هناك بعض الاختلافات الرئيسية بين مفهوم المواطنة في أوروبا والعالم العربي ومفهوم المواطنة في مصر:

تاريخياً يتمتع مفهوم المواطنة وتطبيقاته في مصر بتاريخ أطول من مفهوم المواطنة في أوربا والعالم العربي. حيث حافظ المفهوم في مصر على أن تكون المواطنة علاقة ثلاثية بين الدولة في صورة الحاكم وبين الفرد جميع المواطنين في ظل المجتمع الذي يشمل الأثنين ويراقبهما ويدعمهما بحقوق كلا منهما وواجباته تجاه الآخر وتكون المصلحة النهائية لصالح المجتمع للرقي والازدهار والاستقرار، وهو عكس التطور التاريخي لمفهوم المواطنة في أوروبا والعالم العربي عبر القرون والذي يُعد أكثر حداثة لأن قد سبقتهم مصر في الاستقرار كدولة منظمة، ومع تطور مفهوم المواطنة في أوربا والعالم العربي لكننا نجده قائم على علاقة ثنائية فقط محكومة بالحاكم والفرد وهي عباره عن مجموعة من المصالح السياسية والاقتصادية التي يسعى الطرفين لاكتسابها من الطرف الآخر.

الشمولية مفهوم المواطنة في مصر أكثر شمولية حيث يغطي جميع جوانب الحياة للفرد والمجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها والتي تسعى دائما لتحقيق العدل، أما عن أوروبا والعالم العربي نجد المفهوم مدفوع دائما بشكل أكبر للمشاركة السياسية فقط والإشارة نحو المساواة التي تعتبر إجحاف لمن لم يمتلك نفس القدرات والمكانة داخل المجتمع.

المواطنة في مصر أكثر قبولا وانفتاحاً وثباتا فكم من ثقافات ودول أتت إلى مصر لجوءً أو احتلالاً وقد هضم المجتمع المصري كل تلك الثقافات وأخرجها في الصورة المصرية المميزة للشخصية المصرية، فالمواطنة في مصر القائمة على المجتمع اكثر ثباتاً ومرونةً رغم كل ما تمر به الحياة من تغيرات أو تحديات، على عكس المواطنة في أوروبا والعالم العربي تتأثر المواطنة بهما بحجم الثقافات والهجرات الوافدة لهم والتي تؤثر وتغير في بنية المجتمعات وإدارتها ورغم رغد الحياة الاقتصادية في تلك الدول ولكننا نادراً ما نجد لها شخصية مميزة تميزها عن بعضها البعض بل تشابهت وإنثقفت بالوافد إليها من ثقافات وعرقيات وغيرها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *