ساحة حوار

سامح نسيم يكتب: التعليم وخطاب الكراهية

لا شك في أن التعليم يشكل جزءا كبيرا من شخصية الإنسان، ويمتد تأثيره ليشكل المجتمع أيضا، وهذا ما دفع الكثير للاهتمام بتطوير التعليم حتى يصلوا من خلاله لتطوير الإنسان وتطوير المجتمع.

فنرى فكر الدكتور طه حسين والذي ربط فيه بين التعليم وانتشاره وتطويره وبين تحرر مصر من الاستعمار وتطورها، وهو ما آمن به حتى سعى لتطبيقه عندما جلس على رأس وزارة المعارف المصرية وبدء مسيرة مجانية التعليم، ليس لأنه فقط من أشار لأهمية التعليم على الإنسان وقال “التعليم كالماء والهواء” لكنه رأى فيه وسيلة تكوين مجتمع متحرر في وقت احتلال لوطن هذا المجتمع حيث قال: “الرجل الذليل المهين لا يستطيع أن ينتج إلا ذلا وهونا، والرجل الذي نشأ على الخنوع والاستعباد لا يمكن أن ينتج حرية واستقلالا”.

وقد جاء التعليم كوسيلة للتحرر محورها الحوار في فكر البرازيلي العظيم “باولو فريرى” وهو الفكر الذي نجح في تحرير كثير من غيابات الجهل، وإكسابهم صوت وموقع تحت الشمس في مسيرة ربطت بين التعلم والتحرر وتناقلها العالم كله.

وهكذا يتضح لنا أن التعليم مؤثر كبير في التكوين الشخصي والإنساني للفرد كما أنه عامل من عوامل تشكيل المجتمع، وكما أن التعليم له آثار إيجابية إلا أنه قادر أيضا على أن ينتج آثارا سلبية، وهنا نقف أمام التعليم وخطاب الكراهية كنموذج.

فخطاب الكراهية هو أحد أشكال العنف اللفظي، وليس من الصعب أن نعى خطر ذلك النوع من الخطاب وخطر شيوعه في المجتمع على الأفراد، فكيف يساهم التعليم في قضية خطاب الكراهية؟!.

كون التعليم إحدى أدوات تشكيل الشخصية والوجدان للطفل فإن انسحاب التعليم والقائمين عليه من التصدي لتلك الظاهرة، هو أحد أشكال التأثير السلبي للتعليم في انتشار خطاب الكراهية، لكن الأهم والأعمق أن التعليم كونه منظومة يمكن أن تحمل في داخلها عملية تربية على العنف بشكل غير مقصود من خلال تواجد ملامح العنف الهيكلي والثقافي في طيات الإجراءات والممارسات داخل تلك المنظومة، وهو ما ينتج لنا أجيال متعلمة لكنها في نفس الوقت عنيفة، فمن تربى على شيء شاب عليه، فيكونوا متعلمين اكتسبوا مهارات ومعارف وقادرين على تذكرها وتطبيقها في اعمالهم لكن في الوقت ذاته يحملون قلوبا وضمائر عنيفة.

فالتعليم ومنظومته يحملون كثيرا من العنف الهيكلي داخلهم، فمثلا اللوائح والقرارات التي ترى وتراعى الأعياد الدينية لفئة وغير قادرة على ممارسة نفس الرعاية لفئة أخرى هي عملية تربية من خلال العنف الهيكلي على التمييز تؤسس لعدم ملكية المهمش في هذه المنظومة، وما تمثله من وطن أكبر له، والمبنى التعليمي الذي يشمل مبنى أو غرفة لتقديم الدروس الدينية لفئة دون أن يشمل نفس الميزة للآخرين، هو عملية تربية من خلال العنف الهيكلي على التمييز تطعن فكرة المساواة، كما أن المناهج التعليمية التي تعبر في دروسها عن تاريخ وطن وفئة وتتجاهل أو تذهب أبعد لتشوه الفئات الأخرى، هي عملية تربية من خلال العنف الهيكلي على التمييز، فيقف احدهم ليجد نفسه غريبا في تاريخ بلاده بما قدمه لها المنهج من معلومات مغلوطة او منقوصة.

كما أن الأنشطة التعليمية بتصميمها وأدواتها التي تعيق إحدى الفئات عن الاستمتاع بها هي أيضا شكل من التربية المقرونة بالعنف الهيكلي على التمييز، تربى على المحاباة والوصول للخدمات من خلال الفساد. كما أن فرض الزي المدرسي المنتمي لفكر معين على الجميع هو تربية من خلال العنف الهيكلي على التمييز لقتل الهوية الفردية للأفراد إجبارا علي تبنى فكر الإدارة التي فرضت ذلك الزي، وهكذا أشكال من العنف الهيكلي الكامن في الإجراءات، والقرارات، والمباني، وغيرها داخل منظومة التعليم فيكون تأثيره تشويها لفطرة وضمير الطالب، ومن ثم ينشأ على العنف، وبهذا لا يكون ثمة أثر للكلمات الرنانة في الدروس والمناهج عن المواطنة أو آداب الحوار أو غيرها من الإيجابيات سوي السراب.

فكما أن المنظومة التعليمية هي إحدى الساحات التي يمتد لها العنف الثقافي والذي يتمثل في سلوكيات ومعتقدات المشاركين داخل تلك المنظومة، وفي القمة منهم المعلمون، فكما وصفهم “باولو فريري” بالمعلمين بناة ثقافة وهم ذلك حق، لكن يمكن أن تكون تلك الثقافة ثقافة عنف وخطابات كراهية وازدراء عندما يدخل عنفنا الثقافي دون وعى في تعليمنا وتفاعلنا مع الأطفال، فهذا معلم يقتل كل تعليم عن المواطنة بإصداره خطابا ساخرا من طفل مختلف في الانتماء الديني أو القبلي أو العرقي، وهذا معلم يدرس عن شخصية تاريخية نسائية لكنه يحمل في عباراته رؤيته المتحجرة عن دور المرأة وحجمها، وتلك إدارة وقفت عاجزة عن الحزم وإنفاذ القانون عندما تقدم لها طالب بالشكوى لترسخ مبدأ الغلبة للقوة، وهذه عملية تلقين ديكتاتورية يلعب فيها المعلم دور المستبد داخل لقاء يتكلم عن المناقشة، وتلك ألقاب متنمرة على طفل أو مجموعة أطفال تركت لهم نفسيات مشوه مهزوزة الثقة كارهة لمجتمعهم أطلقها نظراء لهم أو معلمون وإداريون.

فامتلاكنا لتعليم منتج للعقول والضمائر العنيفة التي تصدح بخطابات الكراهية وتشوه لنا حياتنا وتهدد مستقبلنا، جاء كونه تعليما غير واع بكيفية التربية على السلام، أو تعليم غير قادر عليها نتيجة لضعف ومحدودية إمكانياته، وإمكانيات القائمين عليه، أو أنه ترك للمتطرفين لتشكيله تعليما تمييزيا متطرفا.

إن مستقبلنا في حاجة لتعليم داعم للسلام، ولنا في حالة خطابات الكراهية مؤشر، بالإضافة لمؤشرات أخرى يمكن أن يعبر لنا عن مدى تأثير التعليم حقيقة في صنع مجتمع ممتلئ بالسلم أو منفجر بالكراهية والعنف.

سامح نسيم جيد

استشاري أنشطة السلام والتدريب

 

لمطالعة العدد الثاني من “المجرة ” برجاء الضغط هنـــــــا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *